ثقافةصحيفة البعث

في الذكرى 110 لميلاده.. فريد الأطرش ملك العود وعبقري الموسيقا

احتفى محرك البحث العالمي جوجل مؤخراً بالفنان فريد الأطرش بتغيير واجهته الرئيسية بصورة للأطرش في الذكرى 110 لميلاده، كما تم تكريمه في مصر بإصدار طابع بريدي باسمه وبوضع تمثاله الذهبي في دار الأوبرا بين تماثيل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، وكان فريد الأطرش الفنان العربي الوحيد الذي حصل على أربع جنسيات عربية هي المصرية والسودانية واللبنانية والسورية، وهو صاحب أول دويتو يقدَّم في السينما وصاحب أول ألحان التانغو والفالس في الموسيقى العربية وأول من وضع مقدمة موسيقية طويلة للأغنية، لذلك نال الأطرش عدة أوسمة وجوائز فنية، منها جائزة أعظم عازف على العود في العالم العربي وتركيا عام 1962 وجائزة الفنون والآداب المصرية من الدرجة الأولى وقلادة النيل المصرية ووسام الاستحقاق المصري ووسام الكوكب الأردني برتبة فارس، وكان فريد الأطرش أول فنان عربي تمنحه فرنسا ميدالية الخلود التي حصل عليها عام 1975 بعد وفاته وطُبعت كافة أعماله في باريس.

من سورية إلى مصر

ولِد فريد الأطرش عام 1917 في منطقة جبل العرب في سورية، وكان والده من القيادات الوطنية التي قاومت الاحتلال الفرنسي، وعلى الرغم من أنه كان أميراً ابن أمير إلا أنه عاش حياة قاسية بعد أن هربت عائلته من بطش الفرنسيين من سورية إلى القاهرة، التي عاش فيها مع والدته عالية بنت المنذر وشقيقه فؤاد وأخته أسمهان، بعد أن انقطعت أخبار والده في الجبل، وعندما زار أحد الرجال المرموقين المدرسة التي التحق بها في القاهرة أُعجب بصوته وراح يُشيد به وبعائلته أمام الأستاذ الفرنسي، فتم طرده ليلتحق بمدرسة أخرى، وحين ساءت أحوال العائلة اضطرت والدته، صاحبة الصوت الجميل، للغناء في المسارح وكان يرافقها ولداها فريد وفؤاد، إلى أن غنّى فريد الأطرش أغنية وطنية في حفل أقامه زكي باشا نالت إعجاب الحضور، وفيها تعرّف على الفنانة بديعة مصابني، التي ضمته لفرقتها كعازف عود، لينجح فيما بعد بإقناعها بأن يغني بمفرده، فلفت أنظار مدحت عاصم الذي قدمه للإذاعة كعازف للعود ومن ثم كمطرب، إلى أن قام بتسجيل أغنياته المنفردة وكانت الأولى “يا ريتني طير” كلمات وألحان يحيى اللبابيدي و”أحب من غير أمل” التي استعان فيها بأشهر العازفين في فرقته الموسيقية.

كلمة عتاب

ذاع صيت فريد الأطرش كمطرب وملحن، وغنّى من كلمات أشهر شعراء عصره: أحمد رامي، أحمد شفيق كامل، الأخطل الصغير، بيرم التونسي، توفيق بركات، حسين شفيق المصري، أبو السعود الإبياري، كامل الشناوي، محمد حلمي حكيم، محمود فتحي إبراهيم، مدحت عاصم، وكملحن لحن فريد الأطرش لعدد كبير من الفنانين والفنانات العرب: أسمهان، سميرة توفيق، تحية كاريوكا، شادية، فايزة أحمد، صباح، مها صبري، نادية جمال، دلال الشمالي، وديع الصافي، عصام رجي، وردة الجزائرية، محرم فؤاد، ومن المعروف أن فريد الأطرش حاول أكثر من مرة أن يلحن لأم كلثوم وكان قد قدم لها خصيصاً “الربيع، أول همسة، وردة من دمنا، أختك الحرة ثارت” إلا أن أم كلثوم كانت تتراجع، وقبل وفاته لحّن “كلمة عتاب” ووعدته بأن تغنيها إلا أن رحيله حال دون ذلك، فغنتها وردة الجزائرية بعد أن أكمل بليغ حمدي اللحن الذي بدأه فريد الأطرش.

عبقري الموسيقا

لُقّب فريد الأطرش بملك العود وموسيقار الأزمان وعبقري الموسيقا الشرقية، وعُدّ أحد كبار العصر الموسيقي الذهبي كمطرب وملحن وعازف لآلة العود، وهو الذي تم اختياره عام 1962 كأحسن عازف لها في العالم فاستحق بجدارة لقب ملك العود حتى قال عنه الموسيقي مدحت عاصم: إنه عازف من طراز خاص جمع الحلاوة والقدرة في ريشة واحدة، وعلى مدار مسيرة فنية امتدت لما يقرب من ثلاثة عقود قدّم عدداً كبيراً من الأغنيات والألحان التي غناها أو لحنها لغيره من الفنانين في مختلف أنحاء العالم العربي وأشهرها “الربيع” و”لحن الخلود”، كما أثرى السينما العربية بالكثير من الأفلام الاستعراضية والغنائية التي حققت نجاحاً كبيراً بمشاركة كوكبة من أشهر نجمات السينما العربية.

ملك العود

كان هناك إجماع على أن الإضافة الحقيقية التي سجلها فريد الأطرش في مجال عزفه على العود أنه استطاع أن ينقل هذه الآلة من الصالونات الفنية والنخبوية إلى صفوف الجماهير الشعبية، التي التفتت إلى هذه الآلة وتفاعلت معها لقدرة الأطرش على تقديمها للناس بشكل مختلف حين جعلها سيدة حفلاته على المسرح، فساهم في تعريب الذوق الفني لدى قطاع واسع من الشباب الذي كان يرى في الغيتار الكهربائي آلة أثيرة، وكان فريد الأطرش صاحب أسلوب متفرّد غير تقليدي في العزف لم يسبقه إليه أحد، واستطاع أن يخرج من العود إمكانيات لم تكن مكتشفة وستبقى مقدمة قصيدة “لا وعينيك” شاهداً على جدارته كعازف، حيث منح هذه الآلة تقنيات جديدة حين عزف بالعود معزوفة أستورياس للمؤلف الموسيقي الإسباني إزاك ألبينيز حين استخدم كملحن ملامح من السيمفونية الرابعة لتشايكوفسكيفي أوبريت “فارس الأحلام” في فيلم “لحن حبي”.

العالمية

شكل فريد الأطرش حالة فنية في ثقافتنا الموسيقية نجحت في الانطلاق إلى العالمية من خلال مجموعة من مقطوعاته الموسيقية التي لفتت انتباه الموسيقيين الغربيين، ومن هذه المقطوعات قصيدة “يا زهرة في خيالي” التي جابت شهرتها الآفاق وعزفتها الأوركسترات العالمية في أكثر من مكان، وكان من أوائل الملحنين، بعد محمد عبد الوهاب، الذين ألفوا المقطوعات الموسيقية المحضة التي ذاعت شهرتها عربياً وعالمياً، واهتموا بالمقدمات الموسيقية التي عزفتها الأوركسترا، وقدّم الألحان الكلاسيكية الشرقية الطويلة كـ”الربيع” و”أول همسة”و”حكاية غرامي” و”نجوم الليل” و”حبيب العمر” و”عدت يا يوم مولدي” و”بقى عايز تنساني”، وكانت أعمال كبيرة وقف فيها فريد الأطرش جنباً إلى جنب مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والعبقري رياض السنباطي.

مثّل وغنّى وأنتج للسينما

دخل فريد الأطرش عالم السينما في الأربعينات، ويُعتبر فيلم “انتصار الشباب” عام 1941 أولى مشاركاته السينمائية وقام خلال الفترة من 1941 حتى 1975 ببطولة 31 فيلماً سينمائياً، أبرزها فيلم “حبيب العمر” الذي حقق أرباحاً طائلة، كما اشترك مع الفنانة فاتن حمامة في ثلاثة أفلام هي”لحن الخلود” عام ١٩٥٢و”حكاية العمر كله” عام ١٩٦٥و”الحب الكبير” عام ١٩٦٨ ومع ماجدة في “لحن الخلود”، في حين خاض تجربة التأليف عبر فيلم “قصة حبي” عام 1955، الذي تولى إنتاجه إلى جانب ثلاثة أفلام أخرى هي “حبيب العمر” و”الخروج من الجنة” و”أحبك أنت”، وبتقديمه لأوبريت “بساط الريح”أدخل فن الأوبريت إلى السينما المصرية.

كتب فريد الأطرش مذكراته التي نشرها عام 1974 تزامناً مع رحيله وهي جزء لا يتجزأ من تاريخ الأغنية والموسيقى العربية، في حين صدر عدد كبير من الكتب التي تتناول حياته ومسيرته في الفن كان آخرها كتاب للباحث الموسيقي أحمد بوبس عن وزارة الثقافة بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاده بعد أن اعتمدت منظمة اليونسكو عام ٢٠١٥ عام فريد الأطرش.

أمينة عباس