الاتفاق الليبي.. أردوغان الخاسر الوحيد
صلاح الدين إبراهيم
تفاعل الليبيون بمزيج من الأمل والتشكيك بعد توصل أطراف النزاع إلى اتفاق وقف إطلاق النار دائم في عموم البلاد، برعاية الأمم المتحدة، كخطوة مهمة في طريق تجاوز الأزمة الحادة المزمنة وبدء حوار سياسي شامل هدفه النهائي إعادة وحدة البلاد وإنشاء أجهزة حكومية فعّالة وإحياء البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية، حيث لا يعرف الليبيون ما إذا كانوا سيحتفلون به أم يتخذون جانب الحذر، لأنهم عايشوا الكثير من اتفاقات مماثلة التي لم تعمر طويلاً.
تفاصيل الاتفاق المبرم بين الجيش الوطني الليبي وحكومة طرابلس، والذي يفترض أن يدخل حيز التنفيذ بشكل عاجل، ينص على سحب الوحدات العسكرية من جبهات القتال، وإنشاء آلية خاصة لرصد تنفيذه، وانسحاب كافة المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد في موعد أقصاه ثلاثة أشهر، في إشارة إلى مرتزقة أردوغان، ووقف عمليات التدريب العسكري في عموم الأراضي الليبية، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة للشرطة، لضمان أمن المناطق التي تم تطهيرها من المسلحين، ودمج المجموعات المسلحة في مؤسسات الدولة، وتشكيل قوة عسكرية محدودة ونظامية سترفع تقاريرها إلى اللجنة المشتركة.
وعلى الرغم من الترحيب الدولي والإقليمي باتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن تصريحات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان أظهرت عدم تحمس أنقرة له، من خلال اتهامه الاتفاق بـ”ضعيف المصداقية”، حسب زاعمه، تشكيك يستشف منه غيظه من توصل الاطراف الليبية إلى اتفاق، لاسيما وأن نص الاتفاق أكد صراحة على عدم الاعتراف بأي اتفاق أبرمته “الوفاق” الإخوانية في الفترة الماضية، ولاسيما في الشؤون العسكرية، ما يعني انتهاء عقود التدريب التي حصل عليها أردوغان بالتعاون مع عصابته في طرابلس، وأردوغان لم يتأخر كثيراً في الكشف عن نواياه في تخريب الاتفاق من خلال عرض مقاطع لعمليات تدريب مليشيات الوفاق في تركيا.
يضاف إلى ذلك أن الإشكالية الكبرى، التي ربما تستعصي على الحل، هي المتعلقة بخروج جميع المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية في غضون ثلاثة أشهر، حيث يقيم النظام التركي قواعد عسكرية جوية في منطقة الوطية جنوب غرب طرابلس، وأُخرى بحرية في مصراته، وثالثة في ترهونة، فهل يتخلّى أردوغان عن هذه القواعد التي حشد فيها مئات الطائرات الحربية أو المسيرة، ومعدات ثقيلة، وسفن وزوارق حربية؟، كما أن هناك مذكرتين أمنية واقتصادية، وترسيم حدود في شرق المتوسط جرى توقيعها مع الوفاق بزعامة فايز السراج، فهل سيتنازل أردوغان عن هاتين المذكرتين بسهولة و”يخرج من المولد بلا حمص”، كما يقال؟.
وعليه ما لم توجد الأمم المتحدة والدول الراعية للاتفاق قوة وآلية لتطبيقه على الأرض وإخراج المرتزقة ووقف جميع فرق التدريب العسكرية الأجنبية وحل جميع الميليشيات وجمع السلاح خارج يد الدولة ستكون كل هذه الاتفاقات مجرد حبر على ورق، أي عودة الاقتتال والصراع إلى نقطة الصفر.
نجاح الاتفاق سيصب في مصلحة الشعب الليبي، ويمهد الطريق لمزيد من التقدّم في منتدى الحوار السياسي الذي سينطلق الأسبوع المقبل في تونس بهدف التوصل إلى حل دائم للصراع، وهو ما يعني القضاء على الحلم الاردوغاني في استنزاف ثروات ليبيا من خلال استمرار الحرب فيها، فهل ينجح، أم يضع أردوغان العصي في العجلات ويعرقله، خاصة أنه أعلن: “إنني أشك في أن ذلك الاتفاق سيصمد”؟!