لا حلفاء لأمريكا.. بل رهائن
ترجمة وإعداد: علاء العطار
قال الرئيس البوليفي المنتخب حديثاً لويس آرس لوكالة الأنباء الاسبانية الدولية “اي اف اي” إنه يعتزم استعادة علاقات بلاده مع كوبا وفنزويلا وإيران، وهذا يخالف سياسات نظام الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة، والذي شرع على الفور بإغلاق السفارات، وطرد الأطباء، وقطع العلاقات مع تلك الدول بعد استيلائه على السلطة العام الماضي بشكل غير قانوني.
كما تحدث آرس عن إقامة علاقات دافئة مع روسيا والصين، وقال للوكالة: “سنستأنف العلاقات جميعها، إذ تصرفت هذه الحكومة بشكل أيديولوجي للغاية، فحرمت الشعب البوليفي من الاستفادة من الطب الكوبي، ومن الطب الروسي، ومن الأجهزة المتطورة في الصين، ما آذى السكان كثيراً بلا ضرورة”، وأعرب عن رغبته في “فتح الباب أمام جميع البلدان، والشرط الوحيد هو أن يحترمونا ويحترموا سيادتنا لا أكثر. نطلب من جميع البلدان، بصرف النظر عن حجمها، التي تريد علاقة مع بوليفيا، أن نحترم بعضنا بعضاً، وإذا جرى الأمر على هذا النحو فلا مانع لدينا”.
إن خَبِرت الامبريالية الأمريكية وسياستها العالمية ستعد الجزء الأخير من حديث آرس مناهضاً للعقيدة الامبريالية، لأن العقيدة الضمنية لتجمع الحلفاء الدولي الشبيه بالامبراطورية، والمتمركز حول الولايات المتحدة، لا تعترف بسيادة الدول الأخرى، ولا تعدهم نظراء مساوين لهم، تُسلّم هذه الامبراطورية بأن لها كل الحق في تحديد ما تفعله كل دولة في العالم، ومن سيكون قادتها، وأين ستذهب مواردها، وماذا سيكون وضعها العسكري على المسرح العالمي، فإذا رفضت حكومة قبول “حق” الامبراطورية هذا في تحديد هذه الأمور، تغدو هدفاً للتخريب والهجوم، وتسعى الامبراطورية لاستبدالها في النهاية بنظام عميل.
مثل هذه الامبراطورية المتمركزة في الولايات المتحدة كمثل فقاعة عملاقة تعمل ببطء على ابتلاع الدول التي لم تتحوّل بعد إلى دول عميلة للامبريالية، ومن النادر أن تتمكن دولة ما من الهروب من تلك الفقاعة لتنضم إلى الدول التي لم تُبتلع، مثل الصين وروسيا وإيران وسورية وفنزويلا وكوبا في كفاحها من أجل السيادة الوطنية.
رأينا المحلل السياسي الأمريكي جون ميرشايمر في العام الماضي وهو يُوضح ديناميكيات الفقاعة الامبريالية في مناظرة استضافها مركز الأبحاث الاسترالي للدراسات المستقلة، إذ قال: إن الولايات المتحدة ستفعل كل ما في وسعها لوقف صعود الصين ومنعها من أن تصبح القوة المهيمنة الإقليمية في نصف الكرة الشرقي، وإن على استراليا أن تقف إلى جانب الولايات المتحدة في تلك المعركة وإلا فإنها ستواجه غضب واشنطن، وأضاف: “إن السؤال المطروح على الطاولة هو: كيف يجب أن تكون سياسة استراليا الخارجية في ضوء صعود الصين؟ سأُنبئكم بما سأقترحه لو كنت استرالياً: إن الصين ستواصل نموها الاقتصادي، وستحوّل تلك القوة الاقتصادية إلى قوة عسكرية لتسيطر على آسيا بالطريقة التي تهيمن بها الولايات المتحدة على نصف الكرة الغربي”، وأوضح سبب اعتقاده أن لدى الولايات المتحدة وحلفائها كل القدرة على الحؤول دون حدوث ذلك، وأضاف: ماذا يعني كل هذا لاستراليا؟ حسناً، أنتم في مأزق بالتأكيد، والجميع يعرف ما هو المأزق، وبالمناسبة، لستم الدولة الوحيدة في شرق آسيا التي تعيش مأزقاً كهذا، أنتم تتاجرون بكثرة مع الصين، وهذه التجارة مهمة جداً لازدهار البلاد، لا شك في ذلك، لكنكم من الناحية الأمنية تريدون الوقوف في صفنا، يبدو الأمر أكثر منطقية أليس كذلك؟ أنتم تدركون أن الأمن أهم من الرخاء، لأنكم إن لم تنجوا، فلن تزدهروا.
وأتبع ذلك بقوله: “يقول بعض الناس الآن إن هناك بديلاً وهو: يمكننا الوقوف في صف الصين، هذا صحيح، أمامكم خيار هنا: يمكنكم الوقوف في صف الصين بدل الولايات المتحدة، لكن هناك أمرين سأقولهما بخصوص ذلك: أولهما، إذا وقفتم مع الصين عليكم أن تدركوا أنكم أمسيتم أعداءنا، قررتم أن تصبحوا عدواً للولايات المتحدة، فنحن نتحدّث عن منافسة أمنية طاحنة”، وأردف: “إما أن تكونوا معنا أو ضدنا، وإذا كنتم تتداولون مع الصين على نطاق واسع، وكنتم ودودين معها، فإنكم تقوّضون أمن الولايات المتحدة في هذه المنافسة، أنتم تطعمون الوحش من وجهة نظرنا، وهذا لن يجعلنا سعداء، وعندما لا نكون سعداء، أنصحكم ألا تستهينوا بمدى القباحة التي يمكن أن نصل إليها، وما عليكم إلا أن تسألوا فيدل كاسترو”!.
قاطع جمهور مركز الأبحاث الاسترالي تعليقات ميرشايمر الحارقة بضحكات يشوبها انفعال واضح، ومن المعروف أن “السي آي ايه” بذلت محاولات عديدة لاغتيال كاسترو.
إن تساءلتم يوماً كيف نجحت الولايات المتحدة في جعل الدول الأخرى حول العالم تتماشى مع مصالحها، فهذه هي الطريقة، ليس الأمر أن الولايات المتحدة هي فاعل رئيسي على مسرح العالم، أو أنها صديقة ودودة مع حلفائها، بل إنها ستدّمرك إن عصيتها. لم تتحالف استراليا مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من الصين، بل تحالفت معها لحماية نفسها من الولايات المتحدة، وكما لاحظ أحد متابعي تويتر مؤخراً، ليس لدى الولايات المتحدة حلفاء، بل هم رهائن وحسب.
وأوضحت وثائق سُرّبت سابقاً أن السي آي ايه مهدت الطريق لانقلاب أطاح برئيس الوزراء الاسترالي غوف ويتلام لأنه كان يعطي الأولوية للسيادة الذاتية للأمة، وكتب الصحفي جون بيلغر في عام 2014 بعد وفاة ويتلام: “أصبحت استراليا لفترة وجيزة دولة مستقلة خلال سنوات ويتلام، أنهى ويتلام خنوع أمته للاستعمار، فألغى الرعاية الملكية، ودفع استراليا نحو حركة عدم الانحياز، ودعم “مناطق السلام”، وعارض تجارب الأسلحة النووية”.
كان الفارق الأساسي بين الانقلاب في استراليا والانقلاب الذي حدث في بوليفيا هو أن البوليفيين رفضوا الانقلاب، بينما تجاهل الاستراليون الأمر وكأنه لا يعنيهم، كان أمام الاستراليين خيار أن يصبحوا أمة حقيقية ويُصرّوا على سيادتهم الذاتية، لكنهم على عكس البوليفيين، كانوا هانئي البال مغسولي الدماغ، فبعض الرهائن يهربون، وبعضهم يرتضي لنفسه الأسر.
تخلصت امبراطورية الولايات المتحدة من ويتلام، وعندما انتخب الاستراليون في عام 2007 رئيساً للوزراء كان يكنّ الود للصين، أعادت الولايات المتحدة الكرة، ولكي ترجح إدارة أوباما كفتها في استراليا استبدلت كيفن رود المؤيد للصين بجوليا جيلارد المطيعة.
هذا ما نراه الآن في جميع أنحاء العالم، حرب عالمية ثالثة بطيئة الحركة يشنها تحالف القوة الأمريكية ضد الدول المتبقية التي قاومت الانخراط في التحالف، ونظراً لأن الصين أقوى الدول التي لم تبتلعها الفقاعة، أمست الهدف النهائي لهذه الحرب، وإذا نجحت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها هذا، فستكون قد أحكمت قبضتها على الكوكب بشكل لن يكون بمقدور أي شعب أن يعارضها، أو أن ينشق عنها.
متى نتخلّص من هذه الامبريالية التي تقاتل من أجل الهيمنة على الكوكب وتسعى لتدمير الدول الأقل قوة إن لم تقف في صفها في الحرب الباردة الجديدة؟!. علينا أن نسعى خلف السلام والانفراج في العلاقات الدولية ونحققهما، وعلينا جميعاً العمل للعيش معاً على هذا الكوكب، ونتضافر مع بعضنا ومع نظامنا البيئي.
إن طريقة العيش الحالية التي تتعدّى كل الحدود وتقضي على البيئة والتي فرضتها علينا امبراطورية الأوليغارشية لا تناسب جنسنا البشري، وستدفعنا نحو الانقراض إذا لم نجد طريقة لإنهائها، لن تتنازل الولايات المتحدة عن سلطتها عن طيب خاطر، لذلك يتعيّن علينا نحن البشر العاديين أن نجد طريقة لتدمير محرك الدعاية الخاص بها، ونضع نهاية للامبريالية، ونبني عالماً سليماً.