الحروب الثقافية على سورية والتصدي لها في ندوة
“الحروب الثقافية أكثر ضراوة من أية حرب أخرى، وأكثر ما تخصّ سورية، لأنها مكمن المقاومة”، بهذه المفردات بدأ الإعلامي محمد خالد الخضر الذي أعد وأدار الحوار في ندوة الحروب الثقافية على سورية ضمن سلسلة الغزو الثقافي في المركز الثقافي العربي- أبو رمانة- والتي أكدت ضرورة مواجهة كل ما يخلّ بمصطلحاتنا وهويتنا، وتفعيل الدور الثقافي في الرد ضمن محاولات التطبيع والتدخل الأمريكي.
الحالة الشعبوية والثقافية
بدأ الإعلامي وسام جديد باستخدام الإعلام الالكتروني في سورية، جاعلاً من عام 2011 الفاصل الحاسم بين مرحلتين: “ما قبله وما بعده”، إذ يرى أن الإعلام الالكتروني في سورية قبل عام 2011 كان مختصراً بعدد من المواقع القليلة بغية نشر المعلومة السريعة في ظل تصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) الأكثر انتشاراً وبمتناول الجميع، وكانت أكثر المعلومات غير موثقة، وأي شخص يشارك المعلومة في هذا الفضاء، اتخذ حالة شعبوية، بدأ تأثيرها السلبي بنشر فيديوهات من قبل الإرهابيين عن الأحداث، كونهم يمتلكون التقنيات، وقد دربت المخابرات الدولية الإعلاميين المالي لها، ثم توقّف عند الفرق بين الحالة الثقافية التي تخاطب العقل، والحالة الشعبوية التي تخاطب العاطفة، فالمتابع يريد ئعاطفية من خلال الصورة لا تحاكي العقل، إضافة إلى حالة الانقياد خلف صفحات تقدم معلومات غير صحيحة، واستهداف مصطلحاتنا مثل المقاومة كنوع من الحرب الثقافية التي تتعلق بثقافتنا ومقاومتنا، إذ تمكن أشخاص من الخارج من ربط المصطلحات بالفساد ضمن الحرب الثقافية، فنحن بعد تسع سنوات من الصمود نحتاج إلى توعية حقيقية، إلى مخاطبة المثقفين بلغة تربط بين العقل والعاطفة، وتوصل الرسالة بطريقة سلسة تناسب الحالة التي يجب أن نوصلها.
القصف الفكري
تحليل ثقافة الاحتواء التي حاولت اجتياح ثقافتنا كانت محور حديث د. حسين عمر حمادة، إذ أوضح أن ثقافة متعددة الجنسيات تملك أدوات الاحتواء، ومجهزة بتقنيات الإعلام والمعلومات، وتدعمها قوة المعارف التي توصل إلى القصف الفكري من خلال حالة “الأنومي”، وتعني الاستلاب والاغتراب والانحلال والفوضى والقلق، ما يدل على أن سلوكيات البشر تصبح ذات طبيعة عشوائية غير سوية، إلى جانب الأمراض الشخصية والمجتمعية.
وتناول د. حمادة مصطلح مرصد الإصلاح الاجتماعي، ويقصد به المعنى الاجتماعي الواسع الذي يشمل جميع الجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفنية، واستعرض نماذج من المراصد الاجتماعية في الوطن العربي التي تعمل على التقدّم بمجال المجتمع المدني كنوع من التصدي مثل المرصد العربي المغربي الذي يهتم بالسجون وواقع السجناء، والمرصد الخاص بالجزائر الذي يرصد أبعاد العنف في الواقع الاجتماعي، والمرصد اللبناني للتدهور البيئي، والمرصد الإعلامي العربي الذي وافقت على إنشائه الجامعة العربية، ويتتبع الاتهامات الموجهة للعرب.
ثم يقترب أكثر من الحرب الثقافية بالحديث عن الاختراق الإسرائيلي بالتطبيع على جميع الصعد السياسية والثقافية والسياحية، وتوقف عند خطورة التطبيع السياحي بالتطبيع بين “إسرائيل” والإمارات، ليصل إلى أطماع الكيان الصهيوني بالتعاون مع أثيوبيا بسد النهضة للسيطرة على مشاريع الطاقة في مصر والسودان أنموذجاً على اختراقاتها.
جبهة ثقافية
حظيت الندوة بمداخلات عدة تطرقت إلى جوانب من مواجهة الحرب الثقافية، فيرى الأديب الأرقم الزعبي أننا أمام نوع جديد من الغزو الثقافي بالتقنيات الأشد شراسة والأكثر قوة وتأثيراً مقارنة مع الكتاب أو الفيلم من حيث الانتشار السريع، وأننا بحاجة إلى تكوين إدارة بالمعنى الثقافي لتشكيل جبهة ثقافية الكترونية ضد الجبهة الصهيونية، وهذا عمل مؤسسات وليس عمل أفراد، وفي الوقت ذاته مقاومة الحصار الخارجي والحصار على مدى المساحة الوطنية لقيصر الداخل بالفساد بالدور والتوزيع الذي يزيد من وطأة الحصار.
ونوّه د. أسامة الحمود إلى المبادرات الفردية مثل برنامج التضليل الإعلامي الذي استطاع أن يواجه ما يحاك ضد سورية، ولابد من العمل كمؤسسة، لاسيما أن الأولويات باتت مختلفة، ولم يعد الهم الثقافي هو الرقم واحد، لأننا نعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، وعلينا أن نبحث عن حلول تناسب مجتمعنا لمواجهة الغزو الثقافي.
وتحدث د. نزار بني مرجة عن سورية ضحية الجيل الرابع من الحروب الذي يعتمد على الإعلام كسلاح أساسي “لغسل دماغ المواطن وتحريكه”، مشيراً إلى ما قام به الجيش السوري الالكتروني من إنجازات، إذ خاض الإعلاميون معارك حقيقية ضد الإعلام الغربي.
وعادت الكاتبة نجلاء الخضراء إلى سنوات الحرب الإرهابية الأولى التي غربلت المواقف والأشخاص، وكانت شاهداً على من صمد وبقي ومن سافر وغادر، واليوم نعيش أيضاً حالة غربلة في مواجهة الحرب الاقتصادية والثقافية التي تتطلب الصمود.
اختتم الندوة محمد خالد الخضر بأن عدم الوعي الثقافي أوقعنا بمطبات كثيرة، ولابد من تفعيل دور وزارة الثقافة بمتابعة كل من يعمل على تفتيت صورة الشعب السوري.
ملده شويكاني