تحقيقاتصحيفة البعث

ظاهرة “تعميم الأحكام”.. انحراف في الرؤية والفكر وإساءة للأفراد والمجتمع!

يحدث التعميم عندما نتبنى قاعدة ما، ونجعلها القاعدة التي تحدد ردة الفعل، ويمثّل التعميم تشوّهاً في رؤية الشخص، وتفكيره، حيث يمكننا القول إن كل اضطراب في السلوك خلفه فكرة مشوّهة، ومشوّشة، وفق ما أكده الأستاذ الدكتور معمر نواف الهوارنة، عميد كلية التربية الثالثة في درعا، والتعميم ظاهرة منتشرة عند مختلف الطبقات الثقافية، والعلمية، والاجتماعية، والعمالية، والطلابية.
ليس أخطر على الذهن من إطلاق اللسان بالكلام، وتعميم الأحكام، فإن الذي يعمم الكلام على الجميع يتجاهل مواهبهم، ومقدراتهم، وعقولهم، بل ويحاول فرض السيطرة الفكرية عليهم، واكتساح العقول المحترمة، فالعاقل هو من يحترم عقول الآخرين، ويمنحها حقها بالتقدير، حتى وإن كان هناك تباين في وجهات النظر، فإن الحل يكون في الحوار، والمصارحة، والمناصحة، فالشخص عندما يحكم بالتعميم، عليه أن يحكم على اللحظة فقط، وما حدث فيها بالضبط، وليس على الحياة كلها، أو المجتمع كله، فكل من يلجأ إلى هذه الظاهرة يملك قصر النظر، وقلة الخبرة بالحياة، والأشخاص، غير مُدرك بأن فعلته هذه ستسبب الأذى للآخرين، وتؤثر عليهم، وعلى نفسيتهم، كما أنه لا يمكن أن توجد أية سمة في شخص معين بنسبة 100%، فالسمات كالأنانية، والهدوء، والذكاء، والطيبة، والإهمال، والبخل، وحتى الشر قد لا تكون مطلقة، إلا أنها ربما تكون سمات غالبة عند صاحبها، ومن غير المنطقي أن نطلق أحكامنا التعميمية جزافاً على شخص تصرف مثلاً بإهمال في موقف حياتي معين، فنقرر بأنه شخص مهمل، في الوقت الذي يسلك في معظم أيامه سلوك المثابر الحريص على أداء عمله على أكمل وجه، كما أن التعميم موجود لدى الطفل، وهو في أعمار معينة ظاهرة طبيعية، لأن الطفل يعمم ليتعلّم، فالأطفال مجبولون على التعميم، وبناء القواعد، لكن واجب الأهل والمربين يكمن في تدريب الأطفال منذ الصغر على وجود احتمالات جديدة حتى لا يعمموا مباشرة، أما اذا استمر التعميم لدى الطفل فهذا يدل على محدودية أفق العقل، وفي النهاية التعميم ليس مقبولاً سواء للأطفال بعد عمر معين، أو الكبار بطبيعة الحال.

صفة مذمومة
ويتابع الهوارنة: كثيرة هي الأمور السلبية التي تصادف الإنسان خلال حياته سواء كان بالعمل، أو البيت، وغير ذلك، مثلاً إذا أصابهم غمّ، أو وقعوا في مشكلة ربما كررت لمرتين، أو ثلاث، فهذا لا يعني أن يأخذوا ذلك ويُعمموا بأن كل حياتهم ستكون هكذا، فكما توجد في الحياة سلبيات فإن الإيجابيات هي الأكثر، وإذا كان هناك شر فالخير أيضاً أكثر، وبدل أن ننشر هذه السلبيات، ونعممها، فمن واجبنا نشر الأشياء التفاؤلية التي تصادفنا في حياتنا، ونسعد، ونُسعد بها غيرنا بتعميمها عليهم، وفي النهاية يجب قدر الإمكان عدم الأخذ بأسلوب التعميم، والعمل على عدم انتشار هذه الآفة في تناول بعض المجتمعات لسلبيات مجتمعات أخرى، أو أفراد لأفراد آخرين، فهذه الأساليب ستسبب التنافر بين الأفراد، والمجتمعات، والشعوب، بل وسينجم عن ذلك ترويج سلبيات أخرى إضافية.
إن التعميم صفة مذمومة، وتشكّل خطورة على ثقافة ورقي المجتمعات، وعلينا التخلص من هذه الآفة حتى وإن كان بالتدريج من خلال تفكيرنا، واقتناعنا بأن هذا خطأ بحق المجتمع، وعند ذلك نكون قد بدأنا بالخطوة الصحيحة لفهم بعضنا كأفراد وشعوب بشكل قريب من الواقع والحقيقة.

مضاعفات خطيرة
الباحث الاجتماعي عيسى أحمد رأى أن خطر التعميم لا يكمن فقط على المجتمع كما يظن البعض، فصحيح أنه قد يكون من جماعة معينة على جماعة كاملة بصفات قد تجعلها معزولة، أو منبوذة ضمن مجتمعها، أو قد يصل ذلك إلى التعرّض لسلامة هذه الجماعة بعد نبذها، لكن الأخطر من ذلك هو قيام الفرد بعد دخوله في مشكلة معينة أو عدة مشاكل بتعميم السواد والحزن واليأس على حياته، حيث يقوم العقل بعمليتي الإلغاء، والتعميم، فيلغي من حياته كل ما هو جميل ومميز مهما قل أو كثر، ويركز دائماً على الأشياء السلبية القاتمة، وعند ذلك يكون العقل قد عمم تلك الأشياء السلبية، وصبغ بها كل حياة ذلك الشخص، بل ويسترجع العقل الأحداث السوداء من الماضي ويستذكرها وكأنها تحدث الآن، وينجم عن ذلك أيضاً تغير نظرة الفرد للمستقبل بحيث تصبح أكثر قلقاً، وتشاؤماً، فالعقل دائماً يساعد صاحبه على اللحاق بالفكرة التي يتبناها سواء كانت سلبية، أو إيجابية، وأعطى أحمد مثالاً أنك عندما تحب سيارة من ماركة معينة ستبدأ بمشاهدتها في كل حي، وكل شارع، ومهما كان عدد المشاهدات قليلاً سيبدو لك أن هذه الماركة هي الأوسع انتشاراً حتى لو شاهدت سيارتين منها، في حين أنك شاهدت مئتي سيارة من أنواع وماركات أخرى، وبالتالي فإن الخطورة تكمن إن سمحت لعقلك بتعميم ما هو سلبي، أما الإيجابية فتكمن في أنك سمحت لعقلك بتعميم ما هو إيجابي بشكل يطرد حتى الأمراض النفسية كالكآبة التي قد تنتهي بأمراض عضوية أخطرها السرطان، ونفسية أخطرها الانتحار إن تفاقمت لا سمح الله.
أما بالنسبة للتخلص من ظاهرة التعميم في المجتمع فيكون من خلال حملة ضدها بقيادة الطبقة المثقفة الواعية التي تقف حتى الآن عاجزة أمام هذه الظاهرة، مقيدة أمام العادات البالية والموروث الفاسد.

بشار محي الدين المحمد