على كوة الفرن..!
لطالما صمد الرغيف في وجه رياح تحريك الأسعار الرسمية، فهو المادة الوحيدة التي بقيت خطاً أحمر ممنوع الاقتراب منه، والحصانة التي غلفت تسعيرة الخبز قطعت الطريق على الكثير من الدراسات التي رفعت من شركة المخابز وتقترح فيها إعادة النظر بالتكلفة الاقتصادية للكيلو غرام الواحد فراحت محاولات من ينشدون الغيرية على فاتورة الدعم هباء مع الاعتراف بمنطقية الطرح في حسابات الورقة والقلم والربح والخسارة.
في خصوصية التعاطي مع لقمة العيش الأساس، لا نخشى لومة لائم، إن قلنا جهاراً أن ثمة خطأً عند المواطن في تعامله مع ربطة خبز تكفي لثلاث وجبات لعائلة محدودة يومياً، ومع ذلك لا يعادل ثمنها حتى بعد رفع السعر مؤخراً إلى مئة ليرة ثمن بسكويته واحدة، بدليل حسي نعيشه كلنا في سياق الوقوف على كوات الأفران، فلنصف ساعة انتظار يستهلك أحدهم بما قيمته 500 ليرة “بسكويت” مع نصف علبة سجائر بنفس قيمة “البسكويت” وهو متأفف من تحريك سعر الخبز واستهداف المواطن، ولا يتوانى عن تدبيج المحاضرات في الأداء الاقتصادي وتقصير المعنيين؟!.
دعونا نعترف بصعوبة الطرح القائل برفع سعر الخبز، ولو قليلاً ليس لاعتبارات رقابية بل إن أي دعوة من هذا النوع ستقابل باستفزاز غير مسبوق في الشارع، لأن التهمة الجاهزة هي معاداة المستهلك لصالح الحكومة, ولكن هل يعقل أن نستقوي على الرغيف فقط لأنه رخيص، ونصاب بالصدمة لأي اختناق في وفرته في بعض الأحيان.؟ وهل يمكن استيعاب حجم المتاجرة التي يقوم بها البعض من فرق الدعم الذي لا تقوى أغنى الدول على تحمله.؟.
بجرأة، وبلا مؤاخذة يمكن القول: إن رفع سعر الخبز لن يفقر المواطن بالقياس إلى فرق السعر الكبير مع المنتجات الأخرى، هذا من جهة، أما الأهم وهو الحد من الفساد والتجاوزات التي يشهدها ليس محيط الأفران فقط بل ممارسات القائمين على المخابز، آلية كانت أم احتياطية أم خاصة، من التلاعب بمقادير ونسب الطحين والعجين والخميرة، وصولاً إلى كميات الملح وحتى الماء ومواصفاته وفترة الإنضاج تحت النار، وكلها مجتمعة توفر لجيب مدراء المخابز وأصحابها وفورات بالملايين في شهر، فكيف الحال في سنين، وهنا لا نتهم بل يمكن قراءة مجريات الأمور والغطاء الذي يؤمنه المراقبون مقابل مصالح متبادلة معروفة للجميع.؟.
هي دعوة لإعادة النظر بقيمة الخبز الاقتصادية والمعنوية والاستهلاكية بكل مفاصله من حبة القمح إلى الرغيف على المائدة، لاسيما أن الدعم يتعرض لانتهاكات تضاعف الخسارة وتنتج خبزاً لا يؤكل أحياناً، فكيف الحال إذا تكلمنا عن معتمدين يقوّمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يوقف نشاطهم بذريعة أنهم يطعمون الناس، فكيف نحاربهم ومع ذلك يستبسل القائمون على المخابز للتعامل مع الوكلاء لمنافع غير قانونية، علماً أن البديل لا يحتمل أكثر من أكشاك ومنافذ متنقلة تؤمن الرغيف بالسعر الرسمي وليس بأيدي المتاجرين ..؟
علي بلال قاسم