“السياحة الزراعية”.. أفكار وعروض رائدة.. أين الوزارة ومكاتب السفر منها..؟!

قسيم دحدل

في الأزمات الطويلة التي تواجه الدول والمجتمعات، يصبح البحث في الأفكار الخلاقة هاجساً لمبدعي ورواد الأعمال، وفي الحالة السورية والأزمات التي ولدتها نتيجة للحرب الإرهابية التي طالت كل شيء، وما رافقها من عقوبات ظالمة فاقمت كل مفردات الحياة الاقتصادية والصناعية والزراعية التي أثرت بشكل قاس ومؤلم على المستوى المعيشي لمعظم السوريين، حفز البعض للتفكير من خارج الصندوق.

وفي هذا المقال، نتناول القطاع السياحي أول المتأثرين بالأزمات، لنلج إلى ما يعرف بالسياحة الزراعية من بوابة فكرة أصحابها في عدد من القرى القلمونية في محافظة ريف دمشق، وأيضاً فكرة أخرى بطلها إدارة مجمع صحارى السياحي، وقبلهما ما قامت به المؤسسة العامة للنسيج.

اسمعوا!

الفكرتان في الأصل نابعتان من احتياجات اقتصادية ومعيشية فرضتها الأزمة وتوابعها، تمثّلت الأولى (القلمونية) بالإعلان عن عرض خاطبت به السوريين عامة، والمحيط بتلك القرى خاصة، ومنها دمشق.

جاء في عرضها أن مزارعي الزيتون في تلك المنطقة يدعون كل من يحب ويرغب بالحصول على كمية من الزيتون وهي 40 كغ مقابل ثمن لا يتعدى الـ 25 ألف ليرة، القدوم لحقولهم والقيام بقطف تلك الكمية (وبالحبة) بأنفسهم، هم ومن يودون اصطحابه من عائلتهم وأصحابهم، وفوق ذلك يقضي الكل نوعاً من السياحة الريفية في الحقول يوماً كاملاً، والاستمتاع بالمناظر الطبيعية، وهواء الجرود العليل.

استفيدوا!

في الفائدة المباشرة والبسيطة التي يمكن أن تحققها مثل تلك السياحة، أن المزارع يكون قد سوّق محصوله أو قسماً منه بشكل مباشر (من المنتج للمستهلك)، وأيضاً خفف نفقاته بقطاف قسم من المحصول، وربما يتم تسويق عدد من المنتجات الزراعية والحيوانية الريفية إلى جانب ذلك كالعسل والفواكه المجففة والمربيات والألبان والأجبان، وفي المقابل يمكن أن يكون الزائرين لتلك المناطق قد حققوا أيضاً الفائدة والمتعة.

هنا كم كنا نأمل من وزارة السياحة ومكاتب السياحة والسفر أن يتلقفوا مثل تلك الأفكار والعروض، ويصيغوها في برنامج سياحي تحت عنوان: “السياحة الزراعية” أو الريفية.

رائدة!

أما الفكرة الثانية فتمت ترجمتها في مجمع صحارى، حيث استثمرت إدارة المجمع المتاح من مساحة خالية في زراعة عدد من المنتجات الغذائية، وفقاً لتأكيد رئيس نقابة السياحة والخدمات، عبد الله مخلوف، مستفيدة من توفر المياه، وتشغيل العمالة بدل الاستغناء عنها أو إيقافها نتيجة تداعيات الحرب وكورونا، حتى إنها أقامت بيوتاً بلاستيكية.

كانت النتيجة ملفتة، حيث “ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد” كما يقال، مع إبقائها على العمالة، وبالآن معاً تأمينها لتلك العمالة ولجزء من احتياجاتها، وكذلك تأمين قسم من احتياجاتها من الخضار للمنشأة.

تنموياً لاريعياً!

تجربة “صحارى” يمكن تطويرها، بحيث يكون- مثلاً- باستطاعة مرتادي المجمع السياحي قطف خضارهم بأيديهم على سبيل المثال، كما يمكن تعميم هذه التجربة لتتجاوز حدود المنشأة للمحيط وتنميته، مستفيدين من إمكانية جعل القطاع السياحي قطاعاً تنموياً لاريعياً، كما يحلو للبعض نعته، فهل نسمع من الجهات المعنية أن ذلك سيحدث؟.

التجارب تؤكد!

الدراسات والتجارب العالمية تؤكد أن السياحة الزراعية هي شكل من أشكال السياحة المتخصصة التي تعتبر صناعة نمو في العديد من أنحاء العالم، وهناك أمثلة للعديد من الدول في هذا الشأن، كما تؤكد أهمية هذا النوع من الصناعة السياحية، وليس أكبر دليل على ذلك من تعدد المصطلحات الأخرى المرتبطة بالسياحة الزراعية كـ “المزارع السياحية”، و”المنتجات ذات القيمة المضافة”، و”التسويق الزراعي المباشر”، و”الزراعة المستدامة”.

كلمة وجع

ولكون السياحة الزراعية تشتمل على مجموعة واسعة من الأنشطة، نكاد نجزم أنه بإمكاننا عمل الكثير في هذه الصناعة “الخيال” ولأجلها، ولكن للأسف من يتربع على إدارة هذا القطاع، عامة وخاصة، استمرأ الكسل والتقوقع في شرنقة الأزمة والتمترس وراءها لتبرير فشله والتغطية على خيبته؟!.

Qassim1965@gmail.com