علوم الماورائيات.. إيحاءات نفسية أم أدوات فعالة للعلاج..؟
“قتل الوهم صاحبه”.. حكايات قديمة تحدّثت عن الوهم والتأثير النفسي الذي يتركه على صاحبه، إحدى تلك الحكايات كانت عن رهان بين أفعى وجرذ، حين زعم الجرذ أن سمّ الأفاعي غير قاتل، وأن ما يخيف الناس منظر الأفعى، وسمعتها السيئة، وليس السُمّ الذي تختزنه بين أنيابها، فاتفقا أن تلدغ الأفعى أحد المارة، وتختبئ ثم يظهر الجرذ.. وحين تمّ الاختبار شتم أحد المارة جرذاً رآه أمامه معتقداً أنه قام بعضه ثم حاول ركله قبل أن يمضي في طريقه دون أي تأثيرات بدت عليه، رغم أن الأفعى من لدغته، في حين سقط رجل آخر من المارة على الأرض وفارق الحياة، بعد التجربة المعاكسة حين شاهد الثعبان أمامه وتوهم أنه قام بلدغه، رغم أن العضة كانت لجرذ، ليصدق المثل، ويقتل الوهم صاحبه..!.
ورغم أن القصة قديمة تُروى للحكمة أو العبرة، لكن اليوم هناك الكثير من الأمراض والعلل بجوانب نفسية متداخلة ومعقدة، تتزامن مع علوم كثيرة تعنى بالتأثير، والإيحاء، أو توزيع الطاقة الإيجابية، والعلاج البديل والماورائيات أو علم الباراسيكولوجي، وبين الدراسة العلمية الفعلية والمتطفلين على هذه العلوم تتفاوت الآراء وتتعدّد بين مرحب بها ومحذّر منها، فما أصل هذه العلوم، وهل هي حقيقة فعلاً، وهل من يعملون فيها يمتلكون حقاً مفاتيحها وأسرارها، أم ليسوا أكثر من متطفلين ودجالين وهواة؟.
ما هو الباراسيكولوجي
يتألف مصطلح الباراسيكولوجي «ما وراء علم النفس» من شقين، أحدهما البارا (Para) ويعني قرب أو جانب أو ما وراء، أما الشق الثاني فهو سيكولوجي (Psychology) ويعني علم النفس، وهناك من يرى في هذا العلم مجموعة من القدرات الخارقة تمكّن صاحبها من التحكّم بالطاقة والقدرة على التداوي والعلاج، وهناك من سمّاه علم نفس الحاسة السادسة، ولكنه ظل محتفظاً باسمه لعدم وجود تعريف واضح له، وكان الفيلسوف الألماني ماكس ديسوار عام 1889م أول من استخدم هذا المصطلح ليشير من خلاله إلى الدراسة العلمية للإدراك فوق الحسيّ والتحريك النفسي «الروحي» والظواهر والقدرات الأخرى ذات الصلة. وللباراسيكولوجي موضوع يدرسه، وهو القدرات فوق الحسيّة «الخارقة»، كالتخاطر والتنبؤ والجلاء البصري والاستشفاء وتحريك الأشياء والتنويم الإيحائي «المغناطيسي» وخبرة الخروج من الجسد وغيرها. أما المنهج الذي يستخدمه هذا العلم فهو المنهج العلمي الحديث مع شيء من التطوير الذي تقتضيه طبيعة الظاهرة المدروسة، وهذا هو الردّ على من يريد أن يعرف «هل الباراسيكولوجي علم أم لا»، فهو قديم في ظواهره وقدراته، جديد بمنهجه ووسائله وأساليبه، ويبدأ بالفهم والتفسير ويمرّ بالتنبؤ حتى يصل إلى الضبط والتحكم بالقدرات التي يدرسها.
لكن هل العلاج بالطاقة والإيحاء موجود فعلاً، وما هي طرقه وأدواته؟.
أحد المعالجين بهذه الطريقة وهو المعالج وجدي حمدي علاوي تحدث لنا بإسهاب عن دراسات كثيرة قام بها في هذا المجال مكّنته من شفاء حالات مختلفة من الأمراض بالاعتماد على هذا العلم المسمّى بالباراسيكولوجي، حيث يقوم باستخدام الطاقة الحيوية المحيطة بالإنسان لعلاج مختلف الحالات المرضية المستعصية، منها السرطان والعقم والأورام وأمراض المفاصل، فيقول: يمتاز المعالج الذي يستخدم هذه الطريقة بقدرته على الإحساس بوجود الطاقة في الجسم، ولا يطلب المعالج من المريض أثناء العلاج سوى الاسترخاء والانتباه إلى التغيّرات التي تطرأ على جسمه أثناء الجلسة، وتعتمد سرعة الشفاء على مدى تقبّل الشخص لهذا النوع من العلاج وتقبله للمعالج.
وعن طريقته في العلاج يقول علاوي: أضع يدي على المريض بداية على منطقة الرأس مركز الإيعازات والفعاليات، ومن ثم على منطقة الرقبة (الثالوث) المعروفة في علم الباراسيكولوجي بمنطقة الروح، ثم أضع يدي على المنطقة المصابة. ويضيف علاوي: كل مريض لديه طاقة سلبية تحيط به وطاقة إيجابية، أي هناك عملية تبادل طاقات، وما يقوم به المعالج هو سحب الطاقة السلبية وبثّ طاقة إيجابية، وهذا ما يسبّب للمعالج أحياناً التعب والإرهاق نتيجة هذه الجلسات، وبالتالي ستكون جلسات قليلة لكنها فعّالة بحسب تجارب وشهادات من حالات مختلفة قام بمعالجتها. ويؤكد المعالج الذي زار الصحيفة أن عملية العلاج لا تتعدى الخمس دقائق يومياً وعلى مدار 21 يوماً، مشيراً إلى أن هناك بعض الأطباء من يرى أن هذا الأمر مجرد خرافات وادّعاءات غير قابلة للتصديق، في حين يعتمد على شهادات من أطباء آخرين بحسب العلاج الذي يتبعه وفعاليته، مؤكداً أن العلاج بالطاقة الحيوية منتشر اليوم في أماكن مختلفة من الصين وأجزاء واسعة في شرق آسيا، وهو ليس ضرباً من الأوهام والخيال لكنه حقائق وعلوم أثبتت بالدراسات والتجارب. ويتابع علاوي: عالجت 22 حالة بإشراف بعض الأطباء، كان معظمها ناجحاً، متمنياً أن يحظى بدعم واهتمام من الجهات المعنية بهذا الموضوع والهدف إنساني بحت.
إيحاء نفسي
في المقابل يضع الدكتور ممتاز الشايب، وهو اختصاصي نفسي، هذا النوع من العلاج في إطار العلاج بالإيحاء والاعتماد على أشخاص مدرّبين ولديهم خبرة نفسية بطبيعة المرضى، فعندما يناقش علم النفس بعض الأمراض العضوية التي تواجه الإنسان يجد لها منشأ أو طبيعة نفسية ساهمت في تفاقمها، والأمر المعاكس صحيح. وبحسب الشايب، كثيراً ما يؤثر رفع الثقة عند المريض واستخدام ألفاظ معينة في تعزيز طاقة جسده ومقاومته للأمراض، وبالتالي فإن أي علم نفسي أو بحث في الغيبيات والماورائيات وعلوم الطاقة يمكن أن يساهم بطريقة أو بأخرى في العلاج، والموضوع بالتأكيد قسم منه ذو منشأ نفسي بحت عبر جلسات استرخاء أو جلسات علاج بالطاقة، وكثيراً ما نلاحظ أن مرضى السرطان تتفاقم حالات المرض لديهم بعد اكتشافها، وهذا سببه قلّة الثقة بالنفس وانتشار عامل الخوف والشعور باقتراب الموت. لكن في المقابل، ومع تأكيد المعالج النفسي على أهمية هذا النوع من العلاجات وإمكانية العودة إليه شريطة الوثوق بالمعالج، فإن ذلك لا يغني بحال من الأحوال عن التأثير الدوائي أو العلاج الدوائي المطلوب، بالتزامن مع هذه الجلسات التي تُسمّى في علم النفس جلسات تحفيز ورفع طاقة، فالدافع الشخصي المتولّد عند الشخص أهم بكثير من أي علاج دوائي آخر وأكثر جدوى.
أدوية مزيفة
تنتشر اليوم عبر العالم أنواع جديدة في العلاج تعتمد على أنماط تمّ تطويرها من قبل شركات الأدوية، وهي مستخلصات وهمية خالية من أي قيمة دوائية، ويُقصد بها إيهام المريض ودفعه للتحسّن بالاعتماد على الإيحاء. تشبه هذه الأدوية كثيراً حكاية الثعبان والجرذ، كما تشبه قصص العلاج عن طريق الإيحاء أو توزيع الطاقة، لكن المؤكد أن قدرة أي علاج تبدأ من المريض نفسه وتحدّدها إرادته وإيمانه بالشفاء من عدمه، وربما يكون من المفيد والضروري اليوم التوسّع بدراسة هذه العلوم ودمج الطب النفسي والمعالجة النفسية مع المعالجة الطبية. وهنا نسأل أيضاً: لماذا لا يكون هناك مختصون وأكاديميون يعنون بتدريس هذا النوع من العلاجات بشكل أكاديمي ومنهجي ومدروس تجنباً لأي حالات تطفل أو تعدّ على هذه العلوم التي تثبت في الكثير من الأحيان جدواها؟.
محمد محمود