سماسرة سوق الهال وقواه الخفية تجهز على الفلاح والمستهلك
دمشق – البعث
لا شك أن مشهد إتلاف الفلاح لمحاصيله الزراعية لدى تعثر تسويقها – خلال سنوات خلت – بهدف توفير أجور نقلها إلى أسواق الهال المنتشرة في مراكز والمحافظات قد تغير، بعد أن كان يثير الكثير من الاستغراب والاستهجان كون أسعارها كانت في السابق بالفعل متدنيةً جداً..!.
أما مشهد اليوم الذي اختلف جذرياً عما كان عليه سابقاً، لاسيما بعد أن أضحت الأسعار معروفة – للقاصي، والداني، للمواطن والمسؤول – أنها تحلق عالياً، إذ بات من الطبيعي أن نستفيق كل يوم على ارتفاع جديد، تحت حجج وذرائع (الارتفاع العالمي للأسعار، التغيرات المناخية وانعكاسها على المنتجات الزراعية، جائحة كورونا، ارتفاع تكاليف الإنتاج، تذبذب سعر الصرف.. إلخ).. هذا المشهد لم يتغيير كثيراً على الفلاح الذي لا يزال يتلف محاصيله رغم أننا للوهلة الأولى نعتقد أنه هو المستفيد الأكبر من هذا الغلاء، سواء كان مبرراً أم غير مبرر، لكن واقع الحال يؤكد أنه لازال الحلقة الأضعف في هذه المعادلة التجارية غير العادلة، وأن تاجر “سمسار” سوق الهال هو الحوت المبتلع لأرباح الصفقات التجارية – الزراعية، وذلك من خلال قواعد ضلالية تم وضعها من قبل كبار سماسرة السوق تضمن أن تكون الكفة راجحة لصالحهم مهما كان وضع الأسعار على اعتبار أنهم الطرف الأقوى دون إشراك الفلاح كطرف آخر علما أنه هو الحلقة الأقوى عمليا كون انتفاء عمل الفلاح ينفي عملهم.
أول هذه المبادئ الضالة، والتي طالما تحدثنا عنها دون أن تلقى آذاناً صاغية، يتمثل بتحديد نسبة العمولة “السمسرة” بشكل ثابت في كل مواسم السنة بـ 6 % من قيمة المحصول المورد بالنسبة لبائعي نصف الجملة، و7% لبائعي الجملة، بغض النظر عن نوعية المنتج أو كميته أو حتى مدى استفادة الفلاح منه.
المبدأ الثاني خصم 1.5 كغ من كل صندوق كرتوني مهما كان نوع المنتج المعبأ فيه، مبررين أن الخصم عبارة عن وزن الصندوق، علما أنه أقل من ذلك، إضافة إلى خصم ما نسبته 3% من وزن المنتجات المعبأة بصناديق مصنوعة من مادة الفليين لنفس السبب.
المبدأ الثالث الأكثر ظلما وبهتانا والأقرب إلى السرقة منه إلى المسامحة بالحق يتمثل بإجبار الفلاح ” المورد للمحصول” على إعطاء التاجر – عفوا السمسار- عند بيعه حمولة تزن 3 طن ما قيمته 200 كغ منها مجانا، إضافة إلى بيعه 150 كغ بنصف القيمة من نفس الحمولة المراد شراؤها، وإذا كان وزن الحمولة 7 طن يصبح العطاء الإجباري 500 كغ، وكمية المبيع بنصف القيمة 200 كغ.
وبهذا تستنزف بورصة أسواق الهال قوى فلاحينا الذين لا يجنون سوى ما يسد رمقهم في حال كانت مواسمهم عامرة وحافلة بالعطاء، أما في حال تدهور المواسم وعدم قدرتهم على النهوض بموسم جديد، فيلجأ لاعبو البورصة إلى تمويل الفلاحين المنهكة قواهم بمبلغ بالكاد يسعفهم لإنتاج محصولهم شريطة توريدهم منتجات كل موسم لتجار السوق وسماسرته وبالشروط التي يضعونها وفق عقود موقعة بينهم وبين الفلاحين.
هذا غيض من فيض ما يدور في أسواق الهال وما يطبخ في دهاليزها.. فأين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مما يجري..!.