الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

من أجْل ذاكرة نظيفة

عبد الكريم النّاعم

صديق وابن صديق، والمثَل العربيّ يقول: “مودّة الآباء قَرابة في الأبناء”، وهو من الذين لا أشكّ في صدق وطنيّتهم، وإخلاصهم، غير أنّ هذا لا يعني التّطابق في الرؤية، وحين نطرح بعض “الاختلاف”، ولا أقول “الخِلاف” فمن أجل أن تكون الحقيقة أكثر جلاء، وأوضح رؤيا، ولا أتجاهل اسمه استهانة به، لا سمح الله، بل لأنّ ما سأقوله ليس وقْفاً على كليْنا، بل لأنّ ثمّة آخرين يرون مثلما نرى، تابعت لفترة معظم ما ينشره هذا الصديق، وله طروحاته الخاصة، ذات اطّلاع ذكر بداية اندلاع ما أسمّيه الخراب العربي، أو الحريق العربيّ في عام 2011، ووصلني، وبحسب فهمي، أنّه يعتبر بداية الأحداث في درعا، من العام المذكور، وكأنّها مسوَّغة، وحين قلت له إنّني في حمص تابعت ما يجري منذ يومه الأوّل، وبسطتُ أحد الشواهد، أجابني أنّ ما حدث في درعا مختلف عمّا جرى في حمص، ومن هذه النقطة أبدأ:

– منذ اللّحظات الأولى كانت التحرّكات فاضحة، ومكشوفة، بالنسبة لي ولأمثالي، فقد بدأت مسلّحة وليست حراكاً “مدنيّاً”، وكانت التظاهرات التي انطلقت يحيط بها عدد من المسلّحين المُعَدّين من قِبل جهات هم تابعون لها، وقد زعموا يومها أنّ هؤلاء لحماية المتظاهرين “السّلميّين”!! من أمن “السلطة”!! حماية (مسلّحة) لتظاهرة (سلميّة)!!

ترى ألا يبوح هذا بأنّ وراء أولئك المسلّحين منظّمَة ما ترعاهم، وتوجّههم، وتُحدّد مراحل تحرّكاتهم؟!!

إذن نحن نواجه تنظيما دقيقا، مسلّحا، يحمل أهدافا بعيدة وأخرى قريبة.

– بقيت “السلطة” ثلاثة أشهر تمنع رجال الشرطة من أن يحملوا حتى مسدّساً، وكان البعض يشكو ويقول إنّهم يرسلوننا لموجهة أهل الشغب بأيد فارغة، وهم مسلّحون، هل يريدون أن نموت هكذا بالمجّان؟!!

– في بداية اتّساع ذلك الحريق، وانتقاله إلى المرحلة الثانية، التي هي مرحلة السعي إلى تفجير طائفي، أُبيدت عائلات بكاملها بالسواطير، والسكاكين، وكانت الغاية إحداث فتنة في حمص، يمتدّ خرابها إلى بقيّة المناطق، وتتم لهم السيطرة على المنطقة الوسطى لفصلها عن الشمال والساحل، تمهيدا لتمزيق هذا الوطن الصامد الصابر.

هل تذكرون ما حدث في بداية ذلك الخراب في بانياس وما حولها، أحدثوه في منطقة معادية لهم ليجرّوا أهل تلك المنطقة إلى ما يُشعل فتيل الانفجار؟!!

المفردات كثيرة، ولعلّ أبلغها ذهاب السفير الأمريكي، ومعه السفير الفرنسي، علناً إلى مدينة حماه لشدّ أزر المتظاهرين، وهو انحياز أمريكي صارخ، أولا يكفي إدانة أنّ واشنطن وتل أبيب، وعدداً من العواصم التابعة لهما كانت لا تُخفي مواقفها، ولا انحيازها، أبعدَ هذا كلّه يبقى ثمّة ارتياب أنّها منذ أوّل لحظة كانت مؤامرة؟!! اندلع الحريق، ومررنا بما مرّ بنا، وتمكّنت قواتنا المسلحة الباسلة، بصمود أسطوري، وبدعم من الأصدقاء أن تصل إلى ما وصلْنا إليه، هل بعد ذلك من بيان؟!!

لقد اقترحت في زاوية سابقة أن توضع خطّة من قبل الجهات المسؤولة لتسجيل كلّ ما يمكن تسجيله من تلك الحوادث المفزعة، وأن تكلَّف النواحي، والمناطق بمسح ما لديها، وكذلك في مركز المحافظة، ليبقى، بعد تصنيفه وترتيبه، شاهداَ لا يستطيع المزوِّرون التّلاعب به، وليكون وثيقة تاريخيّة، تقطع الطريق على كلّ اختلاف، أو اجتهاد، ونحن واجدون تحت كلّ حجرة، وفي كلّ متر حكاية تُروى، وتُدمي.. أقول هذا وفي الذاكرة يوميات البديري الحلاّق، وآغا العبد، وقد كتب الاثنان بلهجة محكيّة، لكنّها حفظت لنا تاريخ تلك المرحلة.

تُرى إذا كنّا في مثل ما نحن بصدده، ربّما تختلف رؤانا، وقد عايشناه ساعة بساعة، وطلقة طلقة، وألماَ بألم، وخوفاً بخوف، فما بالك فيما غبر من تاريخنا القديم؟!!

لعلّه من حسن الحظّ أن وسائل التقنية الحديثة قد حفظت لنا الكثير، وثّقه مَن نثق بهم وبوطنيّتهم، وباتجاهاتهم، ولولا ذلك لربّما وقعنا في ظلمة من المُبهمات الضالّة.

صديقي وابن صديقي الذي أثق بوطنيته، وأنّه ضدّ كل ما يعوّق نهوض هذا الشعب، لك أطيب السلام..

aaalnaem@gmail.com