صموئيل باتي ومملكة آل سعود
هيفاء علي
كتب الصحفي الفرنسي فيليب أرنو حول الحدث الأخير الذي شهدته فرنسا والمتعلق بإقدام إرهابي بقطع رأس أستاذ التاريخ صموئيل باتي، لافتاً إلى أنه بغض النظر عن الإجراءات التي ستتخذها السلطات الفرنسية كرد على هذه الحادثة، وبغض النظر عن التصريحات المستفزة التي صدرت عن ماكرون بدعوى حرية التعبير، فقد برز وسط هذا السخط الكبير اسم واحد هو مملكة آل سعود، والتي لا تزال تقدم إمدادات النفط إلى أوروبا ومعظم دول العالم، واستخدمها الغرب لفترة طويلة لمحاربة الفكر القومي والحركات التقدّمية في البلدان العربية، التي كانت تتلقى دعماً من الاتحاد السوفييتي السابق.
كما قامت سلطات آل سعود طيلة الحرب، التي قادها السوفييت في أفغانستان، بتمويل “المجاهدين” الأفغان، وساعدت في تجنيد متطوعين عرب. تلك هي الأيام التي كانت فيها الصحف الغربية والمثقفون الإعلاميون يهتمون بـ “مقاتلي الحرية” الأفغان. في عام 1992، بعد انسحاب الجيش الأحمر، قام المجاهدون بسحب محمد نجيب الله، آخر رئيس أفغاني مؤيد للسوفييت، وشقيقه، الذي كان قد لجأ إلى مبنى للأمم المتحدة ، بشكل غير قانوني، وتم إعدامهما بطريقة وحشية. ولم يسمع أحد أي إدانة أو استهجان لهذه الجريمة المروعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية، التي كانت منهمكة في الحديث عن سجن كارلوس غصن.
إضافة إلى ذلك فإن الوهابية السعودية لا تختلف عن السلفية في الحركات “الجهادية”، فكلاهما ينفي القانون البشري، حيث تم القيام بذلك على وجه التحديد من قبل جميع أولئك الذين تم إطلاق العنان لهم على الشبكات الاجتماعية ضد صمويل باتي، معتبرين أن القانون الإلهي يجب أن يسود على المبدأ الفرنسي للعلمانية. وفي السعودية، النساء محرومات من أبسط حقوقهن، والعمال الأجانب، والعمال الفلبينيون والهنود والباكستانيون، وليس المهندسين المعماريين الذين يصممون الأبراج أو المساكن الفاخرة، يعاملون كعبيد وربما يعاقبون بالإعدام، ولا يزال النظام الوهابي يمارس قطع الرأس بالسيف والرجم والجلد وبتر الأطراف، وحتى الصلب.
مملكة آل سعود التي جذبت، في 2 تشرين الأول 2018، الصحفي المعارض جمال خاشقجي، إلى قنصليته في اسطنبول، أي على أرض أجنبية ومن ثم قامت بتعذيبه و تقطيعه بمنشار قبل تفريق رفاته مع الصمت المطبق من أعلى السلطات. فما الفرق بين قطع رأس صموئيل باتي بسكين جزار وقطع رأس جمال خاشقجي بمنشار؟.
كان من الصعب على قاتل صموئيل باتي أن يفعل ذلك بمفرده، في وسط الشارع، وارتكاب جريمة قتل تضاهي الجريمة التي ارتكبها الحراس السعوديون بهدوء ودم بارد في قنصليتهم في اسطنبول. لكن الروح واحدة، والهمجية واحدة، والوحشية هي نفسها السعودية كما “داعش”.
يتابع الصحفي: والسعودية هي أيضاً الدولة التي تستثمر بشكل كبير في فرنسا في الاقتصاد، لا سيما في الترفيه والفنادق الفخمة وصناعة الأغذية. هذا هو البلد الذي يكون فيه المواطنون الأثرياء عملاء جيدين لصائغي المجوهرات في “قصر فاندوم” أو “شارع السلام”. نحن لا نسبب البؤس للعملاء الذين يشترون الساعات الفاخرة من عربة اليد. وفوق كل شيء، فهي أكبر مشتر للأسلحة والذخيرة والسفن الحربية والغواصات ومدافع القيصر الشهيرة عيار 155 ملم التي تصل سرعتها إلى 100 كم /ساعة، والتي ادعت فلورنس بارلي، وزيرة الجيوش الفرنسية، في نيسان 2019 بسوء نية أنه “ليس لديها دليل” على أن الأسلحة التي باعتها فرنسا إلى السعودية استخدمتها ضد المدنيين “في الحرب الطاحنة” التي يشنها النظام السعودي في اليمن.
باختصار، بينما دعا ماكرون، والهزة في صوته، الفرنسيين إلى التجمع خلف نعش صموئيل باتي، فإن وزيرة الجيوش الفرنسية تغض الطرف عن أيديولوجية وأفعال الدولة على وجه التحديد حيال جذور جرائم التكفيريين وبربريتهم.