وسط انقسامات حادة وتحذيرات من العنف.. الأمريكيون ينتخبون رئيسهم
توجّه ملايين الناخبين الأميركيين إلى صناديق الاقتراع الثلاثاء للاختيار بين الرئيس دونالد ترامب والمرشّح الديمقراطي جو بايدن، في انتخابات رئاسية تاريخية تشهدها أميركا، وسط انقسامات حادة، عمودياً وأفقياً، وأعمال عنف واحتقان، تترافق مع مشاهد غير مسبوقة لطوابير شراء السلاح.
وأدلى خمسة ناخبين بأصواتهم في ديكسفيل نوتش، القرية الصغيرة البالغ عدد سكانها 12 شخصاً في شمال شرق الولايات المتحدة، في انطلاقة رمزية للانتخابات الرئاسية بحلول منتصف ليل الثلاثاء، مصوّتين بالإجماع لصالح المرشح بايدن. وبتصويتها في منتصف الليل، تتبع القرية الواقعة في غابات نيوهامشير قرب الحدود الكندية، تقليداً معتمداً منذ 1960 أكسبها لقب “الأولى في البلاد”.
وباختيار من يفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة، يكون الأمريكيون قد اختاروا كذلك نائب الرئيس. وفي حال فاز بايدن في الانتخابات، ستكون، وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، السيدة الأولى، جيل تريسي بايدن، أستاذة حصلت على الدكتوراه في اللغة الإنجليزية.
كذلك سيتم في الوقت ذاته انتخاب 35 عضواً في مجلس الشيوخ، وجميع أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435، و13 من حكام الولايات والأقاليم والحكومات المحلية.
ويأمل بايدن (77 عاماً)، النائب السابق للرئيس باراك أوباما، أن يتمكن أخيراً من الفوز بالرئاسة في محاولته الثالثة، فيما يعد الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته (74 عاماً)، الذي خاض حملة غير مسبوقة من حيث حدتها متسّلحاً بطاقته القوية في التوجّه إلى الناخبين في الشارع، بتحقيق مفاجأة جديدة كما حصل في العام 2016.
وفي السياق تقول إحدى مناصرات جو بايدن وتدعى جاين بيري (65 عاماً): “لن أتحمّل أربع سنوات إضافية من عهد ترامب”، وفي المقابل تأمل لارا شميت (42 عاماً) في أن يحقق ترامب فوزاً كاسحاً. وتقول مبدية قلقها: “لكن إذا ما تم الإدلاء بالأصوات عبر البريد بشكل غير شرعي، فسوف أصلي”.
ظروف استثنائية وتحديات قانونية
وتجري الانتخابات الرئاسية هذه السنة في ظروف استثنائية، بسبب تفشي وباء كورونا، ما فرض كذلك إجراءات استثنائية، وجعل التصويت يكون عن طريق البريد بدل التوجّه إلى صناديق الاقتراع، وهو ما سيجعل عملية فرز الأصوات أكثر صعوبة، وإعلان النتائج قد يتطلّب وقتاً أكثر من العادة.
ويخشى كثيرون في الولايات المتحدة من أنه في حال كانت النتيجة متقاربة للغاية، فإن الانتخابات هذه السنة قد تواجه تحديات قانونية بشأن بطاقات الاقتراع المرفوضة، مما يؤدي إلى مزيد من تأخير إعلان النتيجة.
ومن أكثر الأسباب التي قد تؤدي عادة لرفض بطاقات الاقتراع هو وصولها بالبريد بعد فوات الأوان، وعدم إدراجها في عملية الفرز، فضلاً عن أسباب أخرى كأن يكون التوقيع عليها غير واضح.
وطغت أزمة انتشار وباء كوفيد-19 على الحملة الانتخابية، بعدما تسببت بوفاة أكثر من 230 ألف شخص في الولايات المتحدة، وتفاقمت في الأيام الماضية.
بلد مقسّم إلى كتلتين
وفيما تستعد بعض المدن لاحتمال حصول أعمال عنف، تعطي أميركا صورة للعالم بأنها بلد مقسّم إلى كتلتين لم تعودا تتواصلان. فعلى مدى أشهر لوّح ترامب، متحدّثاً عن سيناريوهات كارثية، بشبح “اليسار الراديكالي” المستعد بحسب قوله لتحويل أكبر قوة في العالم إلى ما يشبه دولة من العالم الثالث على نطاق واسع. فيما يكثّف الديمقراطيون، وفي مقدمهم بايدن وباراك أوباما، تحذيراتهم من العواقب التي قد تكون مدمّرة للمؤسسات الديمقراطية في حال فوز ترامب بولاية ثانية.
ويجري الاقتراع بين مرشحين يعتمدان مقاربتين مختلفتين بالكامل، فمن جهة هناك الملياردير الأميركي وقطب العقارات، الذي انتقل من تقديم برنامج لتلفزيون الواقع إلى اقتحام المعترك السياسي برسالة شعبوية تقوم على أساس “أميركا أولاً”، ولا يزال يصر على أنه “دخيل” على السياسة، رغم أنه أمضى أربع سنوات في البيت الأبيض.
ومن جهة أخرى هناك بايدن، المخضرم في السياسة، المتحدّر من الطبقة المتوسطة، والذي أمضى 36 عاماً كسناتور ثم ثماني سنوات في منصب نائب الرئيس أوباما، ويعد ببلسمة جراح أميركا إذا فاز في “المعركة من أجل روح أميركا”.
وبعد فشلين في عامي 1988 و2008، فرض بايدن، الذي ينتمي إلى التيار المعتدل في الحزب الديمقراطي، نفسه في الانتخابات التمهيدية لمعسكره عبر رسالة بسيطة هي هزيمة دونالد ترامب، واصفاً إياه بأنه “أسوأ رئيس” في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
التصويت بالبريد يقسم الأمريكيين
وصوّت حوالي مئة مليون أميركي في التصويت المبكر، إما شخصياً أو عبر البريد، لتجنّب الازدحام في مكاتب الاقتراع وسط انتشار وباء كوفيد-19. ومنذ أسابيع، ينتقد ترامب هذا الخيار، زاعماً أنه يشجّع على حصول عمليات تزوير، لكن بدون تقديم دليل على ذلك.
ودعا الديمقراطيون إلى التصويت بكثافة بهذه الطريقة، ويترقّب الجميع لمعرفة ما إذا كان الجمهوريون، الذي يميلون إلى التصويت في نفس يوم الانتخابات، سيكونون على الموعد في مكاتب الاقتراع. وهذا التراكم القياسي للأصوات عبر البريد، والتي قد يستمر تواردها في بعض الولايات لعدة أيام بعد الثلاثاء، قد يعقّد عمليات فرز الأصوات أو حتى يؤخّر إعلان الفائز في حال كانت النتائج متقاربة جداً.
وحذّر ترامب قائلاً: “فور انتهاء الانتخابات، سيكون محامونا جاهزين”. وكان ترامب رفض التعهّد بقبول نتيجة الانتخابات، في سلوك غير مسبوق لرئيس منتهية ولايته.
وفي السياق، رفضت محكمة فدرالية في ولاية تكساس الأميركية طلباً تقدّم به الحزب الجمهوري لإلغاء 127 ألف بطاقة اقتراع أدلى بها الناخبون في مقاطعة من دون أن يترجّلوا من سياراتهم. واعتبر الحزب الجمهوري أنّ هذه الممارسة “غير قانونية” لأنّ هناك صناديق بريدية خاصة بالانتخابات متاحة أمامهم لإيداع أصواتهم فيها.
وهذه المراجعة القضائية هي واحدة من دعاوى عديدة رفعت أمام القضاء، وقد تصل في نهاية المطاف إلى المحكمة العليا التي يعود إليها أن تحدّد هوية الفائز في الانتخابات إذا ما كانت النتائج مقاربة.
الأنظار تتجه إلى فلوريدا
وستتجه كل الأنظار إلى ولاية فلوريدا، إحدى الولايات الحاسمة في الانتخابات. وبدون الفوز بهذه الولاية، التي سبق أن كسبها عام 2016، ستكون المهمة شبه مستحيلة لدونالد ترامب للبقاء في البيت الأبيض.
وأظهر استطلاع نشرته “رويترز – إبسوس” الاثنين، أن نتيجة المرشحين متقاربة بشدة في ولايتي نورث كارولاينا وأريزونا، وأشار إلى أن 50% من الناخبين المرجحين يساندون بايدن، في حين يؤيد 46% ترامب، وكان الاستطلاع السابق يشير إلى تأييد 49% لبايدن و47% لترامب. وأجري استطلاع فلوريدا في الفترة ما بين 27 تشرين الأول إلى الأول من تشرين الثاني.
كذلك أعلن موقع “ريل كلير بولتيكس” أن استطلاعات للرأي جمع نتائجها، تظهر تقدّم بايدن على منافسه ترامب، والأخير اتهم بايدن بأنه يخطط لزيادة تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة من البلدان المتضررة من الإرهاب بنسبة 700%.
أمريكا تدخل مرحلة جديدة من التوترات
وبالإضافة إلى ما سبق، تهديد ترامب بإعلان الفوز قبل الانتهاء من الفرز، والنقاش المتواصل حول احتمال رفضه مغادرة البيت الأبيض إذا خسر سيناريوهات، ستترك بلا شك آثارها على العملية السياسية برمتها. وفي السياق، حذّرت سلطات إنفاذ القانون، في ولايات ميشيغين وبنسلفانيا وويسكونسن وأريزونا وكارولاينا الشمالية، من إعلان ترامب فوزه قبل الانتهاء من فرز الأصوات.
وصرّحت المدّعية العامّة في ولاية ميشيغن دانا نيسل أنّ الولايات لا توافق على نتائج الانتخابات قبل انتهاء عمليات الفرز، وأكّدت عدم السماح لأيّ كان بسرقة هذه الانتخابات.
من جهته قال المدّعي العام في كارولاينا الشمالية جوش ستاين، إنه ذا أعلن ترامب فوزه على نحو سابق لأوانه “فسيكون الأمر مؤسفاً لكنّ هذا الإعلان سيكون غير مهم”.
ونقل موقع “أكسيوس” عن مصادر مطلعة، أن الرئيس ترامب، قد يعلن فوزه في الانتخابات الرئاسية دون انتظار نتائج التصويت. وذكر الموقع، في تقرير نشره الأحد، استناداً إلى 3 مصادر، أن ترامب قال لمقربين منه إنه سيعلن انتصاره في الانتخابات، حال إشارة النتائج الأولية إلى تقدّمه على منافسه بايدن.
تشكيك ترامب في أكثر من مناسبة بنزاهة الانتخابات وإيحاءه بأنه لن يقبل النتائج أو يسلّم السلطة، والتخوّف من أنه قد يتجه لإعلان فوزه ليلة الانتخابات، على الرغم من ترجيح الدوائر المعنية بالنتائج أن تأخذ عملية الفرز أياماً، كلها مؤشرات رأى فيها خصومه محاولة لسرقة لنتائج الانتخابات.
العنف يتحوّل إلى واقع
المخاوف من تهديدات حقيقية، لم تعد مجرد توقّعات وتكهنات بل باتت حديث السياسيين والمواطنين والإعلام. فقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، في وقت سابق، أنّ الشرطة الأميركية وأجهزة الأمن تستعد لأعمال عنف واضطرابات، قبيل الانتخابات، ناقلةً عن مسؤولين أميركيين أن الشرطة “تواجه مأزقاً”. ونقلت الصحيفة عن أحد مسؤولي الاستخبارات السابقين، قوله إن “الناس غاضبون، والبيئة الأميركية بيئة تهديدٍ ديناميكية ومعقدة وخطرة، وهو ما لم تشهده الولايات المتحدة من قبل”.
ويبدو أن مخاوف “نيويورك تايمز” كانت واقعية، ففي مدينة غراهام بولاية نورث كارولاينا، هاجمت الشرطة ومؤيّدون للرئيس ترامب، تجمّعاً دعا إليه القس غريغوري درامرايت، وشارك فيه المئات من الأشخاص بالقرب من مركز للاقتراع.
ووقعت صدامات بين متظاهرين مناهضين لدونالد ترامب وآخرين من جماعة “حياة السود مهمّة”، في مانهاتن بمدينة نيويورك.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السابق لدى البنتاغون الأميركي مايكل معلوف: إنّ “المواطنين في أميركا يتخوّفون من موجات عنف بعد الانتخابات”، وأمل “بانتقال سلمي للسلطة في أميركا لكن يبدو أنه أمل صعب المنال”، مضيفاً “ما نشهده في أميركا هو جنوح للتطرّف من اليمين واليسار”، وتابع: “يبدو أن الناس باتوا أقل ثقة بالمؤسسات الأميركية لتأمين الحماية لهم”. ولفت إلى أنه “لم نشهد يوماً على تدهور الأمور كما الآن في البلاد منذ قرن من الزمن”.