بعد شائعة رحيلها.. جميلة بوحيرد فكرة والفكرة خالدة
انتشرت مؤخراً شائعة وفاتها، وهي ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها تناقل خبر وفاة من لُقّبت بجان دارك الجزائر وبالأسطورة وبأم العرب، وأيقونة الثورة التي كانت خير معبّر عن كفاح المرأة العربية في سبيل الحرية. إنها جميلة بوحيرد، واحدة من بطلات الثورة الجزائرية ومن أبرز وأشهر رموز المقاومة في الوطن العربي في ثورتها ونضالها ضد الاستعمار الفرنسي، وقد أصبحت رمزاً ثورياً في شعرنا العربي المعاصر، فكانت ملهِمة للكثير من شعرائنا، فالشاعر نزار قباني شبّهها بجان دارك في قصيدته “جميلة بوحيرد” التي نشرها كاملةً في مجلة “الآداب” البيروتية عام 1958 وكانت قصيدة متألقة ومغايرة، كما يقول عبد الناصر حسن في كتابه “صانع الأسطورة في الشعر العربي الحديث”، وقد انتفض فيها على عشيقاته العاديات والتي يقول فيها:
“ثائرةٌ من جبل الأطلَس/ ما أصغرَ جان دارك فرنسا/ في جانب جان دارك بلادي”.
وتُعدّ قصيدة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب من أكثر القصائد الشعرية التي أبرزت جميلة بوحيرد كأسطورة، بل كإلهة للحب والخصب مثل عشتار، فيقول في قصيدته عنها وهي بعنوان “إلى جميلة بوحيرد”:
“يا نفحة من عالم الآلهة/ هبّت على أقدامنا التائهة/ لا تمسحيها من شواظ الدماء/ إنّا سنمضي في طريق الفناء/ ولترفعي أوراس حتى السماء”.
وفي قصيدة كتبتها عام 1958 الشاعرة العراقية نازك الملائكة تقول: إن كل الحناجر العربية تغنّي جميلة:
“وأنتِ حملت القيود الثقيلة/ وحين تحرّقتِ عطشى الشّفاهِ إلى كأسِ ماءْ/ حشدنا اللحونَ وقلنا سنسكبها بالغناءْ/ ونشدو لها في الليالي الطويلةْ”.
أما الشاعر سليمان العيسى فشبَّهها بأسطورة الصحراء:
“وأنت يا أسطورة الصحراء، يا نداءْ/ ما زال في قلوبنا يفجر الضياءْ/ يا نجمة الصبح أنارت الصباحْ”.
في حين ذكَّرت جميلة بوحيرد الشاعر العراقي شفيق الكمالي بخولة بنت الأزور:
“لم تدر أنّ خَوْلة/ عادت إلى الوجود/ بزندها الأسمر/ لكنهم يدعونها جميلة/ حمامة سجينة/ ما أروع السجينة”.
وتحوَّلت جميلة بوحيرد عند الشاعر العراقي صالح الظالمي إلى فكرة، والفكرة تبقى خالدة:
“كبّلوها أوثقوا أذرعها بالقيد قســــوا/ اصنعوا ما شئتمُ فيها وزيدوا دون جدوى/ إنها الفكرة والفكرة عنق ليس يُلــوى”.
وفي قصيدة كتبها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي كانت جميلة بوحيرد قديسة:
“قديستي كان اسمها جميلة/ قديستي تغسلت في دمها/ قديستي صلّت لأجلها مدائن/ دقت نواقيس، وكبَّرت مآذن”.
وعن الجمعة الحزينة وهو اليوم الذي حُدّد لإعدامها كتب الشاعر المصري نجيب سرور عام 1958 قصيدة “الجمعة الحزينة”:
“غفرانك فالعين بصيرة وذراعي يا أخت قصيرة/ غفرانك إني لا أملك إلا شعري/ والحمّى والحزن الضاري/ وسعاري في يوم الجمعة”.
رسالة من فيروز
في العام 1962 أهدت فيروز جميلة أغنية بعنوان “رسالة إلى جميلة بوحيرد” من ألحان الأخوين رحباني، عبَّرت فيها عن محبتها لجميلة:
“جميلة، صديقتي جميلة، تحية إليكِ حيث أنتِ/ في السجن في العذاب حيث أنتِ/ تحية إليك يا جميلة، من ضيعتي أغنية جميلة/ تحية إليك يا جميلة، يا وردة الجزائر الجميلة”.
كما غنّت لها وردة الجزائرية أغنية “كلنا جميلة” من كلمات ميشيل طعمة وألحان عفيف رضوان:
“جميلة الصبية الشجاعة القوية فتاة الجزائر/ من أجل القومية الحرة العربية/ والنضال الثائر سفكت دماها/ وظنوا جميلة لا يوجد سواها/ كلنا جميلة كلنا فداها كلنا جميلة”.
ولا يمكن الحديث عن جميلة بوحيرد دون ذكر المخرج المصري الراحل يوسف شاهين الذي أخرج فيلماً عن حياتها ونضالها، وقد قامت الفنانة الراحلة ماجدة بإنتاجه وتجسيد شخصيتها، وهو من تأليف عبد الرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني ونجيب محفوظ، وصرّحت بوحيرد في حوار نُشِر في صحيفة “المصري اليوم” بتاريخ 14-08-2017 بأنها لم تشاهد الفيلم كاملاً بل مقاطع منه فقط، وأنها لم تلتق في حياتها بالفنانة ماجدة التي جسَّدت دورها في الفيلم.
أحب بلدي وأريد له الحرية
ولِدت جميلة عام 1935 في حي القصبة بأعلى الجزائر العاصمة، وانضمّت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية مع اندلاع ثورة التحرير الجزائرية وهي في سن العشرين، وفي العام 1957 سقطت جميلة على الأرض بعدما تلقّت رصاصة في الكتف في إطلاق نار متبادل بين القوات الفرنسية والثوار، وقد تعرّضت لأشد أنواع التعذيب في سجنها، وأثناء محاكمتها التاريخية في يوم 11 تموز 1957 قالت بكل ثقة: “يا سادة.. إنني أعلم أنكم ستحكمون عليّ بالإعدام لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشوّقون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، والحقيقة أنني أحبّ بلدي وأريد له الحرية، ولهذا أؤيد كفاح جبهة التحرير الوطني”.
وحين حُكم عليها بالإعدام قوبل الحكم بالاستنكار من قبل الدول العربية والرأي العام العالمي، فتمّ تعديل الحكم ليصبح السجن مدى الحياة، وبرحيل فرنسا عن الجزائر في العام 1962 تمّ إطلاق سراحها، ثم تزوجت من محاميها الفرنسي جاك فيرجيس وأنجبت منه مريم وإلياس، كما تولّت رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، ثم سرعان ما اختارت أن تعيش في الظل بعيداً عن الصحافة ووسائل الإعلام.
وفي العام 2009 كرّمها السيد الرئيس بشار الأسد بوسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة تقديراً لنضالها المشرّف لاستعادة استقلال الجزائر خلال مرحلة الاحتلال الفرنسي، ولمواقفها الداعمة للمقاومة حتى استعادة الحقوق وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وخلال زيارتها لصرح الجندي المجهول في جبل قاسيون آنذاك كتبت في سجل كبار الزوار: إن هذا ليس غريباً على سورية باعتبارها بلد المقاومة ومهد الثورة وقلب العروبة النابض بالمحبة لكل العرب، مضيفة: مثلما كانت الجزائر في الماضي ملهمة للثورة وحركات التحرّر فإن سورية اليوم رائدة في هذا المجال.
وزارت حينها مدرسة بنات الشهداء، وصرّحت: أنا هنا في بلد البطولة والكرامة الذي أكنّ له كل الحب منذ زمن طويل، فهذا البلد منحني الجنسية السورية منذ العام 1963.
وكانت جميلة بوحيرد مؤخراً من بين الشخصيات الجزائرية التي تسعى لتشكيل لجنة عربية– إفريقية لكسر الحصار على سورية وإرسال قوافل غذائية وطبية برية وبحرية وجوية إلى دمشق.
أمينة عباس