أطباء يبيعون مرضاهم للمشافي والمخابر الخاصة.. والنقابة: نحن بالمرصاد!!
“البعث الأسبوعية” ــ غسان فطوم
مرضى فقراء معذبون أنهك المرض أجسادهم، وضغط ارتفاع الدواء و”الكشفيات” وأجور العمليات الجراحية على جيوبهم بلا رحمة، والمؤلم أكثر عندما تسمع منهم أحاديث عن تعرضهم للاستغلال من قبل أطباء “مات ضميرهم”، يطلبون منهم الذهاب إلى هذا الطبيب أو ذاك، مع وعود بمعالجة أفضل، أو إلى مخبر معين لإجراء التحاليل الطبية والصور الشعاعية على اختلاف أنواعها، أو دفعهم لشراء دواء معين “أجنبي!” من صيدلية محددة، رغم وجود مثيل له مصنّع وطنياً، ويؤدي المفعول ذاته، ولربما أفضل، وغير ذلك من الروايات المؤلمة على وقع تواطؤ ضعاف النفوس!
هذه الأحاديث غالباً ما تكثر في أروقة المشافي وعيادات الإسعاف، أو في البيوت ووسائل النقل العامة، وغيرها من الأماكن التي نصادف فيها مثل هؤلاء المرضى.
الروايات كثيرة!
أحدهم روى أن طبيباً أخبره أن زوجته لا يمكن أن تلد إلا بعملية قيصرية، ونصحه بمشفى خاص يقدم خدمات مميزة لمرضاه، ولكن شاء القدر أن تلد زوجته في السيارة بشكل طبيعي وهو في طريقه للمشفى لإجراء العملية.
مريض آخر كان على وشك إجراء عمل جراحي، لكن أنقذه منه أحد طلبة الدراسات العليا بكلية الطب البشري الذي يقطن بجواره، كان قد كشف عليه قبل إجراء العمل الجراحي، حيث شفي عن طريق العلاج بقليل من الأدوية.
وشكا عدد من المرضى من تأخر دورهم في العمليات الجراحية في المشافي الحكومية، مشيرين إلى حالات خلل واضحة تحدث في تنظيم الدور، دون مراعاة أصحاب الحالات المرضية المستعجلة، الأمر الذي يُجبر البعض على الذهاب لمشافي خاصة لأن حالتهم الصحية الحرجة لا تحتمل التأخير، وبذلك يقعون في فخ سماسرة المشافي الخاصة هرباً من ألم المحسوبيات التي تجعلهم في ذيل قائمة الانتظار.
السؤال هنا: من يضبط الفوضى الواضحة للعيان، ويداوي آلام المرضى الفقراء ويحمي جيوبهم؟!
سوء النية!
“يجب أن لا نأخذ الأمور بسوء نية، وإن وجدت هكذا حالات فهي نادرة جداً”، هذا من وجهة نظر الدكتور علي الكوسا، وبرأيه أن خبرة الطبيب الطويلة في مجال اختصاصه تملي عليه أن يتعامل مع المريض الذي أولاه الثقة وراجعه بأن يقدم له النصح أحياناً بإجراء بعض الفحوصات المخبرية أو الشعاعية أو الاستشارات الطبية في أماكن معينة، وذلك بسبب النوعية والجودة، موضحاً أن ذلك “قد يُفهم خطأ من البعض بأنه سمسرة، مع العلم أن المرضى في غالبيتهم هم من يطلبون من الطبيب أن يحدد لهم بعض المخابر أو دور الأشعة الجيدة لإجراء تلك الفحوصات”.
ظالم للغالبية!
إن اتهام الطبيب بالسمسرة لصالح مخابر معينة وشركات أدوية محددة أو مشافي خاصة –بحسب الكوسا- هو اتهام ظالم للغالبية العظمى من الأطباء السوريين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، لكن برأيه “هذا لا يعني أنه لا يوجد حالات خلل بهذا الخصوص، فلا شيء مطلقاً بالحياة، وإن حدث ذلك، فعلى نقابة الأطباء أن تتعامل مع الحالة وفق القوانين والإجراءات الخاصة بردع هكذا مخالفات تتنافى مع مهنة الطب النبيلة”، وبالنسبة لوصف الأدوية الأجنبية أوضح أنه من النادر أن يصف الطبيب دواء أجنبياً إلا أن كان لا يوجد له مماثل وطني.
ليس بحالة جيدة
الدكتور هاشم صقر اختصر التعليق على ما سبق بالقول: “القطاع الصحي ليس بحالة جيدة.. ويحصل به كل شيء!”.
كلام الدكتور صقر يدعونا للتساؤل: من يداوي القطاع الصحي من مرض “الضمير الميت” عند بعض الأطباء، وما هو موقف النقابة من هكذا حالات مؤلمة أكثر من المرض؟!
الدكتور كمال عامر، نقيب الأطباء، لم ينفِ وجود هكذا حالات، لكنها قليلة جداً، ولم تصل إلى حد الظاهرة المخيفة – حسب قوله، مؤكداً أن النقابة لديها قوانين واضحة وإجراءات مسلكية مشددة تحاسب كل من يتجاوز أخلاقيات مهنة الطب، و”في حال ثبوت المخالفة يحال الطبيب المخالف إلى المجلس المسلكي المؤلف من قاض وثلاثة أطباء لاتخاذ العقوبة المناسبة”، مشيراً إلى وجود حالات سابقة بت بها المجلس.
وبيّن الدكتور عامر أن ثقافة الشكوى غير موجودة عند المواطن، ما يجعل مثل تلك المخالفات تُطرح وتتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها دون الرجوع للنقابة لتُتابع بشكلها النقابي والقانوني وفق الأنظمة والقوانين.
صورة مشرقة
بمقابل هذا الجشع والطمع عند قلة من الأطباء من ضعاف النفوس، نجد هناك أطباء نبلاء يحترمون شرف مهنة الطب عندما ينذرون أنفسهم لخدمة المرضى الفقراء وتقديم كل من يحتاجونه من علاج وأدوية وعمليات جراحية على اختلاف أنواعها، وذلك من خلال معالجة المرضى بأجر رمزي لا يتجاوز الـ 100 ليرة سورية، لا بل أن بعضهم لا يتقاضى أجراً، وأمثال هؤلاء كثر وذاع صيتهم في دمشق وغيرها من المحافظات والمدن والقرى.
جريمة لا تغتفر!
لا شك إن مثل هذه الحالات على قلتها يمكن وصفها بالجريمة التي لا تغتفر، ويجب على نقابة الأطباء عندما يثبت أمامها مثل هذه الممارسات أن تحاسب كل من تسول له نفسه بارتكاب هذا الفعل الإجرامي بحق المرضى الفقراء والمحتاجين للعناية الطبية في ظل ارتفاع أسعار الأدوية التي يحتكرها التجار وبعض الصيادلة بهدف الربح الفاحش، عدا عن أجور التحاليل الطبية والصور الشعاعية، وأجور العمليات الجراحية التي تتجاوز الملايين، بما فيها جراحة الفكين ومعالجة الأسنان التي وصلت أجورها لأسعار خيالية لا يمكن أن تتحملها جيوب المواطنين برواتبهم المحدودة!
بالمختصر، نعتز بأطبائنا أصحاب الضمائر الحية ومرافقنا الصحية الحكومية التي تقدم العلاج المجاني، ولكن من يخالف لا بد أن يحاسب وفق قانون النقابة ليكون عبرة لغيره، فالمتاجرة بصحة المواطن خط أحمر لا يجوز خرقه، ويجب أن يكون هذا هدفاً دائماً لوزارة الصحة ونقابة الأطباء يُنفذ بشكل عملي بعيداً عن الشعارات، لذا كلنا أمل أن لا يتم التعامل مع هكذا حالات كمعاملة الأخطاء الطبية القاتلة التي غالباً ما يكون طرفها الأضعف المريض المغلوب على أمره، رغم وضوح الأدلة الدامغة على إدانة الطبيب الجراح أو المعالج أو طبيب التخدير وطاقم التمريض!
معلومات نقابية
حدد قانون الأطباء رقم 16 لعام 2012، المادة 17 منه، واجبات الطبيب بما يلي:
– أن يتقيد بالأحكام الخاصة بمزاولة المهنة المنصوص عليها في قانون مزاولة المهن الطبية وبالحدود المقررة لتعرفة أجور المعالجة والفحوص الطبية.
– أن يلتزم بالآداب الطبية وتقاليد المهنة والحفاظ على قدسية الرسالة الإنسانية لمهنة الطب.
– عدم القيام بأي عمل يتنافى مع كرامة المهنة وأن لا يقبل الطبيب ممارسة المهنة بشكل مخالف للأنظمة والقوانين النافذة وعليه أن يتقيد بالاستطبابات والطرق العلمية المعترف بها.
– عدم قيام الطبيب بأي عمل تشخيصي أو علاجي لا يتعلق باختصاصه إلا بالحالات الاسعافية، ولا يجوز له الإعلان عن اختصاص آخر غير الوارد في ترخيص الوزارة ويمتنع عليه استخدام أساليب الدعاية والترويج غير اللائقة تحت طائلة إحالته إلى المجلس المسلكي.
– أن يلتزم باستعمال التقارير والوصفات النقابية وفي حال مخالفته ذلك يحال إلى المجلس المسلكي.