فضيحة الطغمة الحاكمة الفرنسية.. التكفيريون المناهضون لشارلي إيبدو مرتزقة حلفاء الغرب من مشيخات الخليج
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
في أعقاب هجمات 13 تشرين الثاني 2015، في باريس، اتهم قاضي مكافحة الإرهاب مارك تريفيديتش بلاده بأنها “لا تتمتع بالمصداقية في علاقاتها مع المملكة السعودية. نحن نعلم جيداً أن هذا البلد الخليجي صب السم في الكأس من خلال نشر الوهابية. هجمات باريس هي واحدة من النتائج. إن الإعلان بأننا نحارب المتطرفين بينما نصافح ملك السعودية يعني أننا نحارب النازية بينما ندعو هتلر إلى مائدتنا”. ومع ذلك، في النقاش العام الفرنسي، فإن “الطغمة” الفرنسية الحاكمة، ونظراً للمصالح الاقتصادية الكبرى التي تقوم عليها، لا تتعرض للانتقاد أبداً من جانب المستفيدين أو المستفيدات منها.
في ربيع عام 2015، قررت الدولة الفرنسية تقديم الدعم المادي والعسكري للسعودية والإمارات المتحدة في هجومها في اليمن – وهي حملة من شأنها أن تعزز في نهاية المطاف تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، بما في ذلك من خلال اتفاقيات سرية بين المملكة العربية السعودية وأبو ظبي. في فبراير 2016، كشف السفير الفرنسي في اليمن لمجلس الشيوخ أنه كان على علم بوجود القاعدة في شبه الجزيرة العربية بين القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، معترفاً بـ “العلاقات الغامضة” بين هذه الشبكات النفطية تجاه هذه الشبكة الإرهابية، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات على شارلي إبدو في العام السابق. وانتقد مانويل فالس مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى الرياض وأبو ظبي، نظراً للكارثة الإنسانية الناجمة عن هجومهما في اليمن، فأجاب: “هل من غير اللائق أن نقاتل من أجل اقتصادنا ووظائفنا؟” ماذا كان ليقال لمنتقديه لو كانوا يعرفون أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يقاتل في “التحالف العربي” الذي تدعمه فرنسا في اليمن؟
وفي الوقت نفسه، دعمت الخارجية الفرنسية نشاط جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا. ومرة أخرى، كان للشراكة الاستراتيجية الفرنسية مع البترودولار تأثيرا الملموس في غض النظر عن الشبكات الوهابية المختلفة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط أو حتى دعمها. كذلك كان من الأكثر ربحية انتخابية تجنب أي نقد ذاتي حول العواقب الكارثيةللاتفاقات مع الحلفاء الخليجيين.
في اليمن..
من المؤسف أن مسألة تحالفات باريس مع شركات النفط الخليجية لا تناقش خلال جلسات محاكمات الإرهابيين في العاصمة الفرنسية. في الواقع، وفي وقت مبكر من ربيع العام 2015، دعمت الحكومة الفرنسية عدوان مملكة آل سعود والإمارات على اليمن، في مواجهة الحوثيين الذين يطالبون بالعدالة وتقاسم السلطة. ولهذا الغرض، قامت الرياض وأبو ظبي بتجنيد وتسليح وتمويل العديد من إرهابيي تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وهو التنظيم التي درب، في العام 2011، أحد الأخوين كواشي للهجوم على صحيفة شارلي إيبدو في باريس، في كانون الثاني 2015.
كان شريف كواشي قد غادر إلى اليمن في نهاية تموز 2011. سافر إلى عُمان، مستخدماً جواز سفر شقيقه سعيد لاختراق إجراءات التفتيش في المطار، ثم دخل الأراضي اليمنية بشكل غير قانوني مع شريكه سليم بنغليم، الذي انضم في نهاية المطاف إلى “داعش” في سورية، اعتباراً من ربيع 2013. فور وصول كواشي وبنغليم إلى اليمن، “اتفقا مع أنور العولقي، رئيس العمليات الخارجية لـ [القاعدة في شبه الجزيرة العربية]، على خطة لمهاجمة محرري المجلات الفرنسية الذين نشروا مواد تعتبر تجديفاً بالإسلام.. تلقى كواشي وبنغليم تدريباً عسكرياً في معسكر للتنظيم، ثم عادا إلى فرنسا لوضع مشروعهما قيد التتفيذ.
في 30 أيلول 2011، قُتل أنور العولقي في غارة بطائرة بدون طيار لم تعترف بها إدارة أوباما حتى أيار 2013. على الرغم من ذلك، وبعد ثلاث سنوات ونصف، نفذ شريف كواشي وشقيقه أوامر العولقي، صباح 7 كانون الثاني 2015. في ذلك اليوم، قُتل ثمانية من أعضاء هيئة تحرير شارلي إيبدو، وأحد ضيوفهم، وشرطيان، وعامل صيانة على يد هذين الإرهابيين اللذين أعلنا انتماءهما لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأشارا إلى العولقي كقائد وممول للمجزرة.
ومنذ 3 أيلول الجاري، تنظر المحكمة الفرنسية بهذه الهجمات، وتلك التي ارتكبت في مونتروغ، ثم في هايبر كاشر. وكما هو متوقع، فقد أثارت جلسات المحاكمة جدلاً ساخناً، حيث يتهم المثقفون والصحفيون مرة أخرى بـ “تمهيد الأرض للهجوم” على شارلي إيبدو. وإذا كان مفهوماً الاستياء من أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم شركاء في “الجهاد”، فإن من المؤسف أن السياسة الخارجية الفرنسية متوارية تماماً في هذا النقاش.. إن خطوة إلى الوراء تبدو ضرورية لفهم ذلك.
القاعدة ومشيخات الخليج
في 26 آذار 2015، بعد أقل من ثلاثة أشهر من هجمات شارلي إيبدو، بدأت السعودية والإمارات وحلفاؤهما بالتدخل العسكري في اليمن، وهو ما تسبب على امتداد السنوات التالية بأزمة إنسانية هائلة. وكما نعلم الآن، فقد حظي هذا الهجوم بدعم عسكري من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. ومع ذلك، لا يدرك الرأي العام الفرنسي أنه خلال هذه الحملة، سيتم تمويل مئات الإرهابيين المتمرسين وعدة أمراء حرب من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتسليحهم وحمايتهم من قبل ما يسمى “التحالف العربي”. وبعبارة أخرى، وبموافقة البنتاغون، ستستخدم مملكة آل سعود والإمارات الشبكة الإرهابية التي تقف وراء الهجوم على شارلي إيبدو لقتال الحوثيين. ومع ذلك، سنرى أن العديد من الخبراء الغربيين، بمن فيهم السفير الفرنسي السابق في اليمن، جان مارك غروسغورين، كانوا على علم تام بهذه “المسألة” منذ المراحل الأولى للعدوان.
في تموز 2015، أشار الباحث والمحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بروس ريدل، إلى أن “الحرب في اليمن كان لها فائز محلي: القاعدة. [بدا] السعوديون غير مبالين بشكل غريب بهذا الأمر. ومنذ أوائل نيسان [2015] سيطر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على خامس أكبر مدينة في اليمن، المكلا، وعلى جزء كبير من محافظة حضرموت، الأكبر في البلاد، والتي كانت تضم حوالي ثلث إنتاج النفط المحلي قبل الحرب. والمكلا هي ثاني أكبر ميناء في اليمن على المحيط الهندي بعد عدن”.
ويضيف الخبير في شؤون الشرق الأوسط أنه “منذ بداية الحرب في اليمن، لم تستهدف القوات الجوية السعودية وشركاؤها في التحالف، إمارة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في حضرموت. ولم تتعرض المدينة على الإطلاق للقصف الذي عانت منه مدن أخرى. ونتيجة لذلك، لجأ النازحون اليمنيون إلى منطقة المكلا. كما ظل الميناء مفتوحاً لمرور بعض الشحنات، على عكس تلك الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد أثار استعداد الرياض الواضح للتساهل مع معقل للقاعدة على حدودها الجنوبية نظريات مؤامرة مفادها أن السعوديين ينظرون إلى تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” على أنه حليف ضد الحوثيين، على الأقل ضمنياً. وللأسف، كانت هذه الاتهامات صحيحة تماماً، وفقاً للسفير غروسغورين”.
في 6 آذار 2016، قال ريدل أمام “لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة” في مجلس الشيوخ، إنه يدرك أن “القوات الحكومية” المدعومة من حلفائنا السعوديين والإماراتيين كانت آنذاك “خليطاً” من عناصر الميليشيات، بما في ذلك “الإسلاميون” و”أعضاء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وحتى أنه اعترف بـ “العلاقات الغامضة” التي تربط هذه الملكيات النفطية مع الشبكات الإرهابية، ولكن دون تذكير أعضاء مجلس الشيوخ بأن هذا التنظيم ألهم ورعى الهجوم على شارلي إيبدو. وذكر السفير غروسغورين أيضاً أن “الإماراتيين لديهم (..) خلاف كبير مع الرياض: إنهم لا يريدون القتال إلى جانب القاعدة (..). بالنسبة لهم، من الواضح أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عدو. الرياض أكثر غموضاً (..). ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن [القوات الجوية السعودية] لم تضرب أبداً المواقع التي يحتلها تنظيم القاعدة. لم [يقصف] التحالف مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، التي احتلها تنظيم القاعدة لأشهر عدة. بالنسبة للإماراتيين، هذا غير مقبول”.
ومع ذلك، إذا كانوا يعتبرون تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عدواً رسمياً، فإن الواقع على الأرض مختلف تماماً، فقد تم إجلاء المكلا بعد بضعة أسابيع من التصريحات التي أدلى بها السفير غروسغورين، وبموجب اتفاق سري بين تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ودولة الإمارات. وخلال عملية إجلائهم، أفادت التقارير الغربية أن “الجهاديين” سرقوا ما يصل إلى 100 مليون دولار، دون أن تضرب الطائرات الأمريكية بدون طيار والطائرات المقاتلة قافلتهم. ومع ذلك، تجاهل غروسغورين هذه العلاقات الخفية بين تنظيم القاعدة والإمارات، إلا أنه كان على علم، في آذار 2016، بوجود التنظيم ضمن “القوة الحكومية” التابعة لحلفاء بلاده الخليجيين في اليمن. وقد حظيت هذه التحالفات نفسها بدعم عسكري من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
فصام غربي
وكما لاحظت وكالة أسوشيتد برس، في تحقيق لها في آب 2018، فإن “الاتفاقات [بين “التحالف العربي” و”القاعدة في شبه الجزيرة العربية” تعكس المصالح المتضاربة للحربين اللتين تنشبان (..) في هذه المنطقة الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية. ففي أحد هذه الصراعات، تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها العرب، ولا سيما الإمارات، للقضاء على الميليشيا المتطرفة المعروفة باسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. لكن المهمة الأكبر هي كسب الحرب ضد الحوثيين (..). وفي هذه المعركة، يقف مقاتلو القاعدة في الجانب نفسه مع التحالف الذي تقوده السعودية [والإمارات]، لذلك، وبالتالي، في الجانب نفسه الذي تقف فيه الولايات المتحدة” وحلفاؤها الغربيون.
وفي التحقيق نفسه، أقرت مصادر مجهولة في البنتاغون بأن “الجزء الأكبر من الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة في اليمن يساعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ما يثير الكثير من القلق داخلياً (..). ومع ذلك، فإن دعم الإمارات ومملكة آل سعود ضد ما تعتبره الولايات المتحدة توسعاً إيرانياً يتقدم على الحرب ضد تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وحتى على تحقيق الاستقرار في اليمن. ولذلك تخوض واشنطن، ولندن وباريس أيضاً، حربين متناقضتين في هذا البلد: الأولى، الرسمية والمُزعومة، هي القتال ضد تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وخاصة عن طريق هجمات الطائرات بدون طيار. لكن الثانية، التي لا تؤكدها السلطات المختصة، بل وتنفيها هيئة الأركان العامة الفرنسية، فهي دعم المجهود الحربي السعودي والإماراتي عسكرياً.
والحقيقة فإن التحالف قدم الدعم المالي واللوجستي لأمراء الحرب في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مثل أبو العباس وعدنان رزيق. فعلى الرغم من تصنيف عباس رسمياً إرهابياً على لوائح ترامب منذ عام 2017، فقد استمر عباس في تلقي ملايين الدولارات والأسلحة “المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية” من الإمارات، في كانون الأول 2018، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.
وجند التحالف المئات من الإرهابيين لتعزيز ميليشيا القاعدة في شبه الجزيرة العربية، علماً أن إرهابيي التنظيم محترفون ولهم خبرة قتالية واسعة، كما سمح لفصائل القاعدة في شبه الجزيرة العربية بمغادرة المناطق التي تسيطر عليها مع أسلحتها، ولكن قبل كل شيء، مع مبالغ كبيرة من المال.
وقد زود “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” بالعديد من المركبات العسكرية والأسلحة من الولايات المتحدة ومن ثماني دول أوروبية على الأقل. وكما أشارت “سي إن إن”، في شباط 2019: “نقلت السعودية وشركاؤها في التحالف أسلحة أمريكية الصنع إلى مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة والميليشيات السلفية المتطرفة والفصائل المتحاربة الأخرى في اليمن، في انتهاك لاتفاقياتها مع الولايات المتحدة”.
وقد تمكن التحالف من القيام بذلك دون احتجاجات رسمية من باريس وبموافقة البنتاغون الذي امتنع عن ضرب قوافل ميليشيات القاعدة في شبه الجزيرة العربية المدعومة من حلفائه في الخليج.
يعتقد الباحث مايكل هورتون أن عمليات القتل المستهدف التي تنفذها واشنطن بين الحين والآخر ضد مسؤولي التنظيم سيكون لها “تأثير ضئيل جداً لأن (..) تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لم يعد يعتمد على نواة هرمية (..) [منذ عام 2017، كانت إحدى استراتيجياته الرئيسية هي توزيع عملائه ومقاتليه في البوتقة الواسعة لقوات الأمن والميليشيات في هذا البلد (..) استفاد تنظيما القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية في اليمن بشكل مباشر وغير مباشر من مشاركة الإمارات والسعودية [في هذا النزاع]. وعندما كانت لهما مصلحة، دعمتا تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لصالح محاربة الحوثيين، وتحقيق أهدافهما الخاصة في اليمن”. ومع ذلك، فإن الدعم الذي تتلقاه القاعدة في شبه الجزيرة العربية من مملكة آل سعود والإمارات لم يدفع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لتجميد صادراتها من الأسلحة إلى االمشيخات النفطية، أو لوقف دعمها العسكري للحرب على اليمن.
من المؤسف اليوم، مع بدء جلسات محاكمة الأخوين كواشي، أن الصحافة الغربية تلتزم الصمت في مواجهة هذا الفصام الغربي المثير للشبهة.