أمريكا.. هل بدأ الانقسام؟
سنان حسن
بصرف النظر عن الفائز بالانتخابات الأمريكية سواء أكان التجديد للرئيس الحالي دونالد ترامب أم عودة جون بايدن إلى البيت الأبيض من بوابة الرئاسة، إلا أن الانتخابات الحالية كشفت عن انقسام كبير وحاد تشهده أمريكا على كل المستويات وتمايز واضح بين ما تريده الطبقة السياسية المسيطرة ورأي الشارع في انتخاب رئيسه، وقد بدا واضحاً خلال فرز نتائج الانتخابات الحالية، ولكن الأهم هو الوهن الذي ظهرت عليه المؤسسات الحاكمة في واشنطن وتحيزها إلى مصالح الكارتيلات النفطية والعسكرية والاقتصادية. فهل ما يجري اليوم في بلاد العم سام بالفعل هو مظهر من مظاهر الديمقراطية التي تدعيها أمريكا؟!، وهل اختصرت الديمقراطية الأمريكية فقط بالحزبين الجمهوري والديمقراطي؟. أم ما يجري بداية وهن كبير في جسد الإمبراطورية الأمريكية؟.
على الرغم من أن المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية لم يريدوا أن تكون السياسة الأمريكية حزبية، خوفاً من مخاطر الفصائل السياسية المحلية، كما كتب ألكسندر هاميلتون وجيمس ماديسون، وقد تجلى ذلك الأمر بأن أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن لم يك عضواً في أي حزب سياسي وقت انتخابه أو طوال فترة رئاسته. إلا أن ما يجري اليوم يؤكّد ما خشاه المؤسسون من انقسام كبير جداً وحاد بين مكونات المجتمع الأمريكي ” بيض– سود- ملونين”، مع استعداد مستمر للعنف من قبل متطرفي اليسار واليمين على حدٍ سواء، حيث تؤكد التقارير الإعلامية التي سبقت موعد التصويت على انتخاب الرئيس السادس والأربعين لأمريكا عن سباق محموم لشراء قطع الأسلحة بأنواعها من المتاجر، وخوف من عنف قد يتفجر بأي لحظة في حال رفض أي من المتنافسين الاعتراف بنتائج الانتخابات، فهل ما يجري هو مظهر من مظاهر الديمقراطية التي تدعيها واشنطن ليل نهار، بالتأكيد لا. ولكن هي من عدة الشغل على ما يقول متابعون للسياسية الأمريكية؟.
في عام 2000 ومع اللجوء إلى المحكمة العليا لحسم آلية الفرز في انتخابات ولاية فلوريدا بين المرشحين الجمهوري جورج بوش الابن ونائب الرئيس الأمريكي حينها آل غور قرر سبعة قضاة وقف الفرز اليدوي مقابل قاضيين، ظن الأمريكيون حينها أن الأمر لن يتكرر في المستقبل، إذ أن الانتخابات اللاحقة أظهرت فوزاً كاسحاً للرؤساء الذين وصلوا إلى البيت الأبيض، ولكن اليوم يبدو الأمر حقيقة واقعة فبدون المحكمة العليا ربما لن يتم حسم من هو الرئيس الجديد لأمريكا، وهذا الأمر كان يدركه قادة الحزب الديمقراطي، الذين اعترضوا كثيراً على ترشيح ترامب لعضو جديد في المحكمة من مناصريه، الأمر الذي أعطى له فرصة كبيرة لحسم أي مواجهة داخل المحكمة نفسها، ولكن حتى المحكمة العليا هل ستمنع الاشتباك بين أنصار المرشحين؟.
لقد عرى المشهد القائم حالياً بانتظار نتائج الانتخابات الديمقراطية الأمريكية المزعومة وكشف مدى انحطاط وتردي الساسة الأمريكيين في التعامل مع التطورات المتلاحقة وازدواجيتهم المفرطة، فلو أن هذا الأمر حدث في أي بلد أي كان لسارعت الخارجية الأمريكية ولجان حقوق الإنسان المزيفة والبيت الأبيض لتنديد والمطالبة بحل المسألة على طريقتهم، التي تنتهي أخيراً بانتهاك حرمة ذاك البلد، ولكن في الحالة الأمريكية هم يمارسون ديمقراطية قائمة فقط على حزبين مسيطرين وعلى الأمريكيين الاختيار بين الأسوأ لا الأفضل، كما تدعي دائماً واشنطن في حديثها عن التعددية السياسية!.
لاشك أن المشهد الحاصل اليوم في أمريكا يحمل في طياته الكثير والكثير من التغيير في المشهد العالمي بداية من الاصفافات التي بدأت قبل إعلان النتائج النهائية بين مؤيد لبقاء ترامب أو متخوّف من مجيء بايدن، “تغريدة رئيس الوزراء السلوفيني” مثال، وليس انتهاء بالتصريحات السياسية من كل أنحاء العالم التي تؤكد أن التعامل مع أمريكا بالرئيس السادس والأربعين سيكون مختلفاً عما قبله، “تصريحات وزير الخارجية الفرنسية”.
ولكن ماذا عن قضايانا هل سيتغير شيء؟. ما هو مؤكد أن لا فرق بين سياسية الجمهوريين أو الديمقراطيين فالهدف واحد وهو دعم “إسرائيل” دون الالتفات إلى الوراء فكل رئيس يكمل المطلوب منه ويسلم العهدة إلى الذي يليه، أما نحن فيجب أن ندرك أن صمودنا ومقاومتنا للمشاريع الأمريكية ومخططاتها هي الجوهر الذي يبنى عليه فن السياسة.