الجعفري: سورية ملتزمة بالتعاون مع “حظر الكيميائي”لإغلاق الملف نهائياً
أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري مجددا أن سورية لم تستخدم أسلحة كيميائية ولم تعد تمتلكها أساساً، وهي ملتزمة بالتعاون مع منظمة الحظر وأمانتها الفنية لتسوية جميع المسائل العالقة بما يتيح إغلاق هذا الملف بشكل نهائي وإخراجه من دائرة الألاعيب السياسية والتضليل الإعلامي.
وأوضح الجعفري، في بيان سورية أمام جلسة لمجلس الأمن اليوم عبر الفيديو، أن سورية تمكنت – رغم الظروف الصعبة التي مرت بها قبل سنوات ورغم التحديات الجسيمة التي فرضتها التنظيمات الإرهابية والإرهابيون العابرون للحدود ومشغلوهم- من التعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة الحظر للوفاء بتعهداتها الناجمة عن انضمامها لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في العام 2013، مبينا أن ذلك التعاون أسفر عن التخلص من كامل مخزون سورية وتدمير مرافق الإنتاج ذات الصلة، الأمر الذي أكدته رئيسة البعثة المشتركة للتخلص من الأسلحة الكيميائية في سورية سيغريد كاغ في إحاطتها أمام مجلس الأمن في حزيران 2014، كما أكدته الوثائق الصادرة عن الأمانة الفنية لمنظمة الحظر، وآخرها التقرير الشهري الـ 85 للمدير العام الصادر بتاريخ 26-10-2020.
ولفت الجعفري إلى أنه رغم هذه التأكيدات ورغم مشاهدة الدول الغربية بأعين ممثليها لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية في سورية على متن سفينة أمريكية وسفن أخرى تابعة لدول أوروبية فقد تمسكت بعض الدول الأعضاء بمواقفها العدائية تجاه سورية، وسعت لزيادة التصعيد والضغط السياسي، وشنت أعمال العدوان الأحادية والثلاثية، التي استبقت أي مساع للتحقق واستجلاء الحقائق، وسوت منشآت مدنية، كمركز برزة للبحث العلمي، بالأرض رغم تأكيدات المنظمة وفرقها عدم استخدامه في أي أنشطة غير مشروعة وتفتيشه مراراً، وعمدت إلى ابتكار آليات غير شرعية تم تمريرها على نحو مخالف للقانون ولأحكام اتفاقية الحظر، مثل “فريق التحقيق وتحديد الهوية”، والبناء على تقارير هذا الفريق،التي تفتقر لأدنى مقومات المصداقية والمهنية كتقرير حادث اللطامنة المفبرك، وتجاهل المعلومات التي قدمتها سورية وروسيا وتسويق القرار الصادر عن الدورة الـ 94 للمجلس التنفيذي لمنظمة الحظر وفرض مواعيد وآجال زمنية مصطنعة لا تنسجم مع التحديات التي فرضها وباء كورونا وصولا إلى تقديم الإدارة الأمريكية مشروع قرار تصعيديا في هذا المجلس يهدف لخدمة أجنداتها وفرضها بالضغط والتهديد.
الابتعاد عن التسييس
وقال الجعفري: في الوقت الذي تعرب فيه سورية عن تقديرها البالغ لمواقف الدول الأعضاء المتمسكة بمبادئ القانون الدولي وأحكام الميثاق، والتي تشاطرها إدانة استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في أي زمان ومكان وتحت أي ظرف كان، فإن موقفها مع هذه الدول يركز ببساطة على ضرورة الابتعاد عن تسييس هذه القضايا المهمة والحفاظ على الطابع الفني لعمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومصداقيتها ومهنيتها مستغربا ما يكرره ممثلو الدول الغربية بلا كلل أو ملل في إصرار على التمسك بنهج غوبلز الذي يعرفونه جيدا وإمعان في إنكار كل الحقائق والأدلة والبراهين التي تؤكد عدم صحة مزاعمهم.
وبين الجعفري أن حكومات الدول الغربية مسؤولة بشكل مباشر ولا يقبل التشكيك عن المعاناة التي يعيشها السوريون منذ نحو تسع سنوات، وذلك لانخراطها المباشر في الحرب الإرهابية والسياسية والاقتصادية والمالية على سورية، وهي تتشدق بالحديث عن القيم والمبادئ النبيلة والشعارات الرنانة في تعاملها مع القضايا المتعلقة بالوضع في سورية، سواء ارتبطت بالشأن السياسي أو الإنساني أو الكيميائي، في حين أنها لا تتوانى في الواقع وفي تعاملها مع غيرها من الدول عن ارتكاب شتى أنواع الجرائم وتستمتع بمعاناة ضحاياها.
هوة العميقة وانفصام في مواقف الدول الغربية
وأشار الجعفري إلى أنه حتى في مجال النقاش المرتبط بالحد من التسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل تبرز الهوة العميقة والانفصام في مواقف الدول الغربية التي دمرت العراق تحت ستار أكاذيب ثبت زيفها والتي تشن منذ سنوات حملة تضليلية وتلفق الاتهامات بحق سورية في حين أنها هي ذاتها تقدم الرعاية والدعم العسكري والفني لتعزيز ترسانة الاحتلال الإسرائيلي من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية وتتولى مهمة الدفاع عنها في المحافل الدولية لاستدامة انتهاكات “إسرائيل” للاتفاقيات والصكوك الدولية ذات الصلة.
وتساءل الجعفري: هل تنسجم مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وشغل المقاعد الدائمة وغير الدائمة في مجلس الأمن مع هذا الانفصام والانتقائية والازدواجية في المعايير.. وأين ذهبت دروس التاريخ وشهادات وتقارير هانز بليكس وسكوت ريتر وديفيد كيلي وخوسيه بستاني وغيرها من الوثائق التي تفضح تلاعب دول بعينها بهذه القضايا لخدمة أجنداتها على حساب السلم والأمن الدوليين وأرواح ورفاه شعوبنا.. وماذا عن الحقائق والبراهين التي قدمها المفتش في منظمة الحظر ايان هندرسون والبروفيسور ثيودور بوستول والصحفي آرون ماته خلال الجلسة غير الرسمية التي عقدها مجلس الأمن بتاريخ 27-9-2020 وفق صيغة آريا وبمبادرة روسية؟!.
وجدد الجعفري التأكيد على أن سورية لم تستخدم أسلحة كيميائية ولم تعد تمتلكها أساسا وأنها التزمت ولا تزال ملتزمة بالتعاون مع منظمة الحظر وأمانتها الفنية وفريق تقييم الإعلان وذلك لتسوية جميع المسائل العالقة بما يتيح إغلاق هذا الملف بشكل نهائي في أقرب وقت ممكن، وإخراجه من دائرة الألاعيب السياسية والتضليل الإعلامي.
وأعرب الجعفري عن رفض سورية القاطع لما ذكرته الممثل الأعلى لنزع السلاح ايزومي ناكاميتسو بخصوص عدم تلقيها أي رد أو معلومات جديدة من سورية قبل تقديمها هذه الإحاطة، مؤكداً أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، فسورية ملتزمة بالاستمرار بالتعاون مع الأمانة الفنية لمنظمة الحظر وفريق تقييم الإعلان لحل جميع المسائل العالقة، ووجهت أمس رسالتين بالبريد الإلكتروني إلى ناكاميتسو تتضمنان أبرز المعلومات والمستجدات حول تعاون سورية، إضافة إلى الرسالة الرسمية التي وجهها نائب وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد إلى المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أمس، والتي تتضمن ردودا على بعض استفساراته بخصوص تنفيذ قرار الدورة الـ 94 للمجلس التنفيذي حول حادث اللطامنة.
سورية تستضيف وفداً من الخبراء والمفتشين
وأضاف الجعفري أن سورية تستضيف حاليا وفدا من الخبراء والمفتشين وصلوا قبل يومين وسيبقون حتى الـ 24 من الشهر الجاري وهي تتعاون تعاونا تاما مع المنظمة وتؤمن لهم الحماية والأمن والسلامة والدخول غير المقيد إلى كل الأماكن التي يريدون تفتيشها، وهي الجولة السابعة للتفتيش، وقد صدرت تقارير الجولة السادسة وأكد فيها خبراء المنظمة عدم وجود أي مواد كيميائية وأي أنشطة محظورة بموجب الاتفاقية في مركز البحوث في برزة وجمرايا، كما قدمت سورية في الخامس عشر من الشهر الماضي تقريرها الشهري الـ 83 للأمانة الفنية حول النشاطات المتصلة بتدمير الأسلحة الكيميائية ومنشآت إنتاجها وتم في شهر أيلول الماضي تمديد اتفاق التعاون الثلاثي بين سورية والأمم المتحدة ومنظمة الحظر لمدة ستة أشهر بدأ من الثلاثين من أيلول 2020 وعقدت خلال الفترة ما بين 28-9 و1-10-2020 الجولة الـ 23 من المشاورات بين الحكومة السورية وفريق تقييم الإعلان الذي زار دمشق وتم تقديم كل التسهيلات لإنجاح مهمته.
وشدد الجعفري على مطالبة سورية الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية برفض تسييس الطابع الفني للمنظمة ومعالجة ما شاب عملها من تسييس وعيوب جسيمة من شأنها تقويض مكانة ومصداقية المنظمة ومطالبتها أيضا الممثل الأعلى لنزع السلاح ايزومي ناكاميتسو بالتزام ضوابط المهنية والحيادية والموضوعية وعدم تجاهل ما تقدمه لها سورية من معلومات وذلك حرصا على ولاية الأمم المتحدة ومصداقيتها.
الغرب يسعى للتغطية على جرائم التنظيمات الإرهابية
وأكد الجعفري أن الولايات المتحدة التي تدعي الحرص على الحد من التسلح ومنع الانتشار والتي تقدمت لمجلس الأمن بمشروع قرار ضد سورية هي ذاتها الدولة الوحيدة الطرف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية والتي لا تزال تمتلك مخزونات هائلة من هذه الأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية وترفض تدميرها وتسعى مع حلفائها للتغطية على جرائم التنظيمات الإرهابية واستخدامها أسلحة كيميائية وغازات سامة ضد المدنيين السوريين وضد قوات الجيش العربي السوري.
وأوضح الجعفري أن ذلك تجلى مجددا في تقرير بعثة تقصي الحقائق المتعلق بحادثة حلب التي وقعت بتاريخ 28-11-2018 والتي استخدمت فيها التنظيمات الإرهابية الأسلحة الكيميائية ما أسفر عن إصابة 125 مدنيا وعسكريا فخلصت البعثة إلى الالتفاف على هذه الحقائق بادعاء عجيب بأنها غير قادرة على تحديد ما إذا كانت المواد الكيميائية قد استخدمت في هذا الهجوم، وذلك على الرغم من الأدلة والبراهين التي قدمتها سورية وروسيا لها.. فهل كانت بعثة التحقيق ستتبنى نفس الموقف في حال كان من الممكن تلفيق اتهام للحكومة السورية بالمسؤولية عن ذلك؟!.
وردا على مندوب ألمانيا في المجلس قال الجعفري: يشير التاريخ إلى أن ألمانيا كانت في حالة حرب مع سورية في بداية الحرب العالمية الثانية عندما اجتاحت مع قوات نظام فيشي الفرنسي سورية، الأمر الذي دفع سورية لإعلان الحرب لاحقا على ألمانيا النازية، ثم المشاركة مع الدول المنتصرة على ألمانيا النازية في تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945.. ويعلمنا التاريخ أيضا أن بلدينا احتفظا بعلاقات طبيعية منذ القضاء على النازية غير أن المندوب الألماني في المجلس يصر في مداخلاته المتكررة على اعتماد لغة مفرطة في العدائية تجاه سورية وكأننا في حالة حرب.. ونحن من طرفنا لسنا في حالة حرب خلافا لقناعات وأوهام السفير الألماني.. ومن المؤسف أن تغيب أصول التخاطب الدبلوماسي بحدها الأدنى عن مقاربته.. وكنا نفترض أن يتحسن أداؤه ويصقل لغته بعد أن أمضى ما يقارب العامين في عضوية مجلس الأمن غير الدائمة لحسن الحظ.