ثقافةصحيفة البعث

فقدان ملامح النثر يفرض إعادة الدراسات حول بنيته وبنية الهايكو

بدأت المحاولات الجدية لرسم معالم القصيدة النثرية عبر لقاءات وصفت بالدورية هدفها معالجة قضايا الكلمة الشعرية والتمييز بين أجناس الشعر وتوضيح مساراته وتنقيته من التداخل غير المنطقي مع بعضه البعض، وذلك لابتعاد أدبائنا وكتابنا عن واقع هذا النوع من القصائد، فالخلط أصبح صفة عامة في مايكتبه شعراؤنا المحليين، وخاصة فيما يتعلق بالربط مع شعر الهايكو الياباني المنشأ، وهذا مادفع نقادنا للبحث في حقيقة الهايكو في شعرنا واثبات جذوره، خاصة انه يحمل في طبيعته نفحة غنائية وجرعة من المجاز يظهر فيه عقل الشاعر بشكل أقوى من باقي تجارب الهايكو عبر العالم، فالهايكو يخرج على التوزيع الإيقاعي المعروف في اليابانية (5/7/5) نظراً لخصوصية اللغة العربية وما يميز “الهايكو” انه يعكس رؤية الشاعر للحياة وطرائق التصرف والتفكير في مجتمعه، وفي تقنيات كتابة الهايكو فتكاد تكون مشتركة إلا في ما يتعلق بالإيقاع وتفاوت حضور هذه التقنيات بين تجربة وأخرى.

نظرة تخصصية

إن الاطلاع على مايقدّمه شعراؤنا من مصطلحات شعرية بات ضرورة هامة لتعديل مسار القصيدة، فالشاعرة غادة فطوم بينت أهمية اللقاءات الدورية للحفاظ على مستوى الشعر لدينا والتمييز بين أجناسه في ظل اجتياح القصيدة النثرية للواقع الأدبي، ومن الضروري البحث عن حقيقة الهايكو في كتاباتنا بعد أن اعتبرها البعض نوعاً أدبياً يتلاقى مع القصيدة النثرية العربية، رغم أن هذه القصيدة بذاتها “النثرية” تحتاج إلى إعادة فهمها وتوضيحها حيث يتم تجاهل أركانها وميزاتها وصفاتها، ولا يمكننا إطلاق مصطلح النثر أو الهايكو على كل مايكتب، لذلك نحن بحاجة لوضع صيغة واضحة عن كل ماتملكه هذه الأنواع الأدبية من صفات تميزها عن بعضها البعض وعدم الخلط فيما بينها من حيث الأسلوب والمصطلحات والعمق.

نقد أدبي

وتبدو فكرة توضيح المصطلحات وتفسيرها بشكل صحيح بداية هامة للارتقاء بفن الكلمة، ومن هنا عبّر الناقد د.عبد الله الشاهر عن ضرورة إعادة القصيدة إلى بهائها والنهوض بها، خاصة أننا بتنا على موجة الشعر السطحي الخالي من الفكرة والصورة والقيمة للقصيدة الموزونة، لذلك علينا الاجتهاد والتفريق بين الأجناس الشعرية، مما يحتاج لتقديم دراسة حقيقية في ظل نقص الدراسات حول القصيدة النثرية، فالأدب ليس شكلاً وإنما مضمون، وعدم فهم موضوع النثر رغم الفوارق التي تربط بين الشعر المنظوم والحديث وشعر التفعيلة والنثر والومضة، يرى الشاهر أن هناك من يملكون القدرة والموهبة الإبداعية على النثر، وهناك من يخلط شعر التفعيلة مع النثر والواقع، هذه المسميات هي تصنيفات اجناسية ومعظمهم لا يلتزمون بالمفردة التي تتناسب مع كل جنس شعري، فالقصيدة النثرية صعبة ببنيتها وتركيبتها ولا يستطيع كتابتها أي شاعر، ومن يعتقد انه قادر على كتابة النثر لايعي أن ذلك يحتاج إلى الوعي الإبداعي ولرؤية عميقة، والتفريق بينه وبين الومضة، لذلك لابد من الاعتراف بالتقصير في دراسة الحالة النثرية وواقعها، حيث لم يتم إصدار أي كتاب أو دراسة تعريفية إلا مرة واحدة كانت إصدار كتاب “القصيدة النثرية” لأدونيس.

الهايكو والنثر

ويوجد ربط بين شعر النثر وشعر الهايكو الذي يتألف من ثلاثة مقاطع هي 7،5،7 ، ويرى البعض إن النثر اقتبس من الهايكو، ويختلف الناقد الأدبي الشاهر مع هذه الرؤية ويؤكد أن قصيدة النثر ليست مستحدثة بل هي قديمة وعمرها آلاف السنين وقد وجدت في النصوص الفرعونية والسومرية وحولت إلى طقوس قداسية يرافقها حالة من التصفيق والدوران في المعابد، وبذلك فإن قصيدة النثر لم تأت من الغرب ولو أنه قد يكون الغرب كتبها وأخذنا جزءاً من المفاهيم الغربية ودمجناها بالنثر الذي ظهر في الستينيات، ومن رواده انسي الحاج، وتوفيق الصايغ، وشوقي وأدونيس والمناصرة في الأردن، الذي قدّم كتابين حول النثر هما “التوقيع، والورطة” ويعتبر من أهم المنظرين في هذا الموضوع، فالغالبية ممن ارتقوا هذا المنبر امتلكوا الحالة الإبداعية وكانوا يعون المسالة، لكن الحالة الإبداعية هي حالة شخصية وبالتالي لكل طريقته وأسلوبه وهذا يعني أن حالات الإبداع تتفاوت مما يحقق التحفيز اللغوي، فالشعر هو المختبر اللغوي الذي يولد لنا المفردات لنطور لغتنا.

خصائص النثر

من كتب قصيدة النثر كان يعي المفردة التي يكتبها أي أن يتوفر فيها مجموعة من النقاط في جسم القصيدة لنقول عنها قصيدة نثر، إذ يجب أن تكون خالية من الوزن والقافية وتكاد تكون خالية من المحسنات البديعية فيها، ولا تكتب قصيدة النثر بتخطيط فكري ووضع برمجة، إنما بنتاج عفوي ومباشر من فكر الشاعر إلى الورقة، وتأتي على شكل ومضات متتابعة ليس ومضة واحدة، وبحسب د. الشاهر فإن قصيدة النثر غالباً تكون بتسكين المفردة والجملة الشعرية، والأمر الأهم والسائد فيها هو الغموض، حيث لايمكن فهمها من مرة واحدة، وقد يكون لها أكثر من تفسير وتحتمل أكثر من قراءة، كقصيدة أدونيس “بين المئذنة والمدخنة” والتي أخذت صدى كبيراً رغم أنها لا تتجاوز 12 كلمة، هذه حالة التكثيف القائمة والسكونية التي تعطي الانسجام والتضاد في نفس اللحظة، لذلك التوليف اللغوي هو الذي يعطي للمتلقي قراءات لم تكتب، لكنها توحي من خلال النثر بهذه الحالة فتجعل المتلقي في حالة تشاركيه مع كاتب النص.

ميادة حسن