الفخر والاعتزاز في “الأرض بعض ظلي”
في المواجهة المتواصلة ما بين الاستبداد الذكوري والتمرد النسوي، أو حتى الثورة المجتمعية باتجاه العدالة والإنصاف في هذه المعادلة، ستظل الأصوات الداعية للتحرّر عالية من جهة، ومشروعة من جهة أخرى، لكن الشاعرة رنا محمود في مجموعتها “الأرض بعض ظلي” أدركت عن وعي مسبق أو عمق في التجربة أن الهجوم أفضل وسائل الدفاع فعمدت إلى إعلان فخرها واعتزازها بنفسها بعيداً عن الإحساس بالدونية أو عقدة النقص التي طبعت الكثير مما سبق من نزوع إلى التمرد وإعلان الرفض المطلق للواقع المفروض بفعل تراكم تاريخي مجحف.
وبداية من العنوان، وهو هنا منصة انطلاق أكثر منه عتبة نصية، حيث يحمل الكثير من الفخر والثقة بالنفس بحيث حلقت الشاعرة لتجعل الأرض بعض ظلها، ثم انتقلت لترى نفسها ص 40 بلون الغياب وقد أورثت المسافات حلما ومنحت الأرض ظلها فهي الزباء وعشتار وبلقيس وكل الكون رهن اشارتها ربما. وفي صفحة 75 نادت الآتي المبارك لثورتها أنها امرأة الحضارة، وأكدت من جديد على أنها عشتار والزباء وبلقيس: “الكون كل الكون رهن إشارتي وعبارتي ونضارتي”.
وتقدّمت خطوة في إعلان نفسها: “زمني أنا اليوم أعلن بدءه/لغتي هي دمعي/والحبر جرحي وزمانهم ما كان إلا ترهات”.
وهي في ساعة الأنس أنثى المطر ترش ذوائب شعرها انهماراً فوق صدر الحبيب، والحبيب هنا رجل ذاب بين يديها مثلما ذابت بين يديه، في محاولة واضحة لتحديد الهدف والغاية من الثورة التي دعت إليها في قصيدة مستقلة بعنوان ثوري، وفي عبارات توزعت على مساحة قصائد المجموعة الست والأربعين الصادرة هذا العام عن دار أرواد.
في المجموعة نفس أنثوي نظلمه إن قلنا إنه متمرد أو صاحب ردة فعل على واقع بعينه، إنه صوت يدعو إلى العدالة عن طريق الثورة على ما يلي ص76:
“إذا فلتسقطوها عنوة/تلك السخافات الساقطات/فذا قلمي يصب زيت لهيبه/على كلمة حرة أبية/نواجه زيف المجتمعات”.
على أن الشاعرة في ثورتها لا ترمي إلا إلى تصحيح العلاقة ما بين طرفي معادلة الحياة الرجل والمرأة، وجعلها مستقيمة بعيداً عن أي ظلم، ولم تترد في إعلان موقفها من الحب واعتباره غاية الغايات:
“أقول حبيبي بولع اليتيم/أحسها بجدوى الحب/ليتها بحجم الكون لأصيرها صوتا يناديك تعال حيّ على الحب” ص28
هذا في المضمون فأي شكل وظفت الشاعرة لكي تصل أفكارها وتنوع موضوعاتها؟
لقد طغت المقطوعات النثرية على المجموعة كلها تقريباً باستثناء قصيدة ثوري ص 101 فهي على البحر الكامل:
ثوري على شرق يراك فريسة وتعمدي بالنور من ماء المطر
بل حطمي أسوار عادات خلت لتكوني رمزاً صارخاً لمن اعتبر
على أنها أفردت للأب، من دون الرجال، صورة مختلفة عن باقي الرجال، فهو هنا باق لم يرحل على الرغم من موته، فصار في الفقد معجزة، إذ رأت الأب يفتح عينيه ويعود للحياة ويبتسم ويمنحها الهدية الأعظم وهو يلتحف البياض كآخر ملك فرعوني:
لقد فتح عينيه وابتسمتا لي معلنا الرضا/كانت فرصتي الأخيرة بجائزتي الأكبر والهدية الأعظم”. لذلك ترى روحه الهائمة تحرس أحلامها ولا تتركها وهي على يقين أنه لم يمت وينتظر كل مرة نجاحها وفرحها.
أما الحبيب فلولاه ما خلق الهوى ولا مشت فوق السحائب آهات صدرها ولا حمل الإنجيل صدى كلماتها.
تبقى مجموعة رنا محمود تجربة تستحق النظر إلى مضمونها الجريء وما حملته من روح عاشقة للفن والحياة.
رياض طبرة