ماذا سيفعل بايدن…؟
محمد كنايسي
من الطبيعي أن يركز الرئيس الأمريكي الجديد على رأب الصدع وإنهاء الانقسام داخل المجتمع الأمريكي، وأن يحاول وضع حدٍ لآثار الترامبية التي ما زالت تغذيهما. ومع هذه الأولوية المحلية، يبدو أن على بايدن أن يواجه الكثير من التحديات الدولية. ولا أحد يعلم على وجه الدقة ماذا سيفعل بانسحابات سلفه من المعاهدات والمؤسسات والاتفاقيات الدولية وأهمها الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، ومعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى مع روسيا، ومجلس حقوق الإنسان…الخ، حيث تصرّف ترامب وكأن أمريكا فوق القوانين وتستطيع التخلي عن التزاماتها متى أرادت. لكن إمكانية عودة بايدن إلى هذه الاتفاقيات واردة ولاسيما أنه قد لمّح لذلك غير مرة.
أمامه أيضاً ملفات بالغة الأهمية على رأسها العلاقة مع القارة العجوز، والعلاقة مع روسيا والصين، كمما سيتوجب عليه أن يجد طريقةً أفضل للتعامل مع دول أمريكا اللاتينية بعد أن حصدت سياسات سلفه فيها الفشل، وأن يجد حلاً يرضي كوريا الديمقراطية التي لم تسمع من ترامب إلا الكلام المعسول الذي لا يجد تطبيقاً على أرض الواقع. وأما فيما يتعلّق بمنطقتنا فإن من السابق لأوانه القول: إن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون أفضل من سلفه، ذلك أن هذا الأمر لا يمكن الحكم عليه إلا من خلال الأفعال والسياسات العملية أولاً، كما أن ولاء بايدن للكيان الصهيوني ليس سراً حتى وإن عبر عنه بطرقٍ مختلفةٍ عن طرق سابقه، ذلك لأن النتيجة على المدى البعيد واحدة…
صحيح أن ترامب قد أقدم على تنفيذ أهدافٍ صهيونية لم يتجرأ أي رئيسٍ أمريكي قبله على تنفيذها، لكن هذا لايعني أبداً أن غيره من الرؤساء أقل منه تصهيناً، لكنهم بكل تأكيد أقل تهوراً واندفاعاً، ففي هذا يبدو ترامب نسيج وحده، وأما الهدف الأساسي فواحدٌ وهو تحقيق أهداف ومصالح ذلك الكيان أولاً وأخيراً، ولهذا فقد لا يستمر بايدن في صفقة القرن، وقد يعود إلى حل الدولتين لكن ليس من أجل إعادة الحقوق إلى أصحابها، بل من غير المتوقع أن يقدم بايدن على فسخ بعض القرارات التي اتخذها ترامب كاعتبار القدس عاصمة لـ “إسرائيل” ونقل السفارة الأمريكية إليها، فقط سيحاول الرئيس الأمريكي الجديد، كما هو متوقّع، أن يبدو أكثر توازناً في الظاهر على الأقل، وأن يعيد لأمريكا دورها كراعية للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس أكثر، فتحت مظلة هذه الرعاية، المنحازة لكيان العدو بالطبع، يمكن للإدراة الجديدة فعل ما فعله غيرها من الإدارات السابقة أي التغطية على جرائم “إسرائيل” المستمرة وتمكينها من المضي في المماطلة والتسويف، بل وفي اغتصاب المزيد من الأرض والحقوق الفلسطينية إلى مالا نهاية، وليس لإيجاد حل عادلٍ للقضية الفلسطينية، فهذا غير موجود في القاموس السياسي الأمريكي..
بقي أن نسأل كيف ستكون سياسة بايدن في سورية، مع أن السؤال سابقٌ لأوانه أيضاً. لكن المؤكد هو أن العامل الصهيوني سيكون أحد أهم محددات تلك السياسة، وأن بايدن سيختار السياسة الأقدر على تحقيق أمن “اسرائيل” حسب الوسائل التي يراها أنجع ترغيبيةً كانت أو ترهيبية. ولا شك أن الرئيس الجديد ليس مصاباً بداء العظمة كسلفه إلى الحد الذي يجعله لا يدرك أن كل ما طرأ على منطقتنا من تغيّرات يبدو ظاهرياً أنها تصب في مصلحة “إسرائيل” وآخرها التطبيع، لكنها ليست سوى جزءٍ من الواقع فالرؤية يجب أن تتوسّع لتشكل الوضع العام في المنطقة، وألا تغفل ما حققه محور المقاومة، وفي القلب منه سورية، من إنجازات أجهضت المشروع الأمريكي الصهيوني. ومن هذا المنطلق فإن مهمة بايدن لن تكون سهلة، ذلك أنه يدرك تماماً أن الحرب الإرهابية على سورية قد فشلت، وأن الحرب الاقتصادية، رغم آثارها الموجعة، لا تستطيع كسر شوكة الصمود السوري، مما سيدفعه منطقياً إلى نوعٍ من المرونة في التعامل مع سورية، خاصةً وأنه يعرف أنه ليس من عادتها الخضوع لأي إملاءات أمريكية، وأنه لا يمكن أن تفتح الباب أمام واشنطن إلا بعد الانسحاب الأمريكي من المناطق السورية المحتلة، وأن الأمريكيين إذا لم ينسحبوا، فإن ساعة التوجّه لطردهم بالقوة لن تتأخر كثيراً.