“أول يوم” في ندوة في ثقافي أبي رمانة
إيحاءات موسيقيّة وتصاعد بالإيقاع ووقفات حادة تنذر بالخوف شدّت جمهور المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) منذ اللحظات الأولى إلى فعالية العرض الأول لفيلم “أول يوم”، بالتعاون مع مشروع مدى الثقافي، سيناريو وإخراج لوتس مسعود – إنتاج المؤسسة العامة للسينما ضمن مشروع دعم منح الشباب- الحائز على جائزتين من مهرجان براغ السينمائي المستقل للفيلم القصير، جائزة أفضل فيلم قصير، وجائزة أفضل إخراج.
يعتمد الفيلم لغة سينمائية تعبيرية مليئة بالإيحاءات والإيماءات من خلال المكان وملامح الوجه واللون، وقد استخدمت المخرجة تقنية الاختزال من خلال سبع دقائق تختزل الحرب الإرهابية على سورية، فبدا أشبه بفصول رواية كل دقيقة تمثّل فصلاً من فصولها مع الشارة التي أثارت فضول المشاهد وتساؤلاته ريثما تتسرّب إليه الأفكار، فالدائرة الحمراء التي تحيط بوجه أحد الأبطال وهو يختنق بالماء ليرفع رأسه وتتساقط من وجهه قطرات المياه، دلالة على الاختناق الذي عاشته سورية وتجاوزها الحرب، لكن ما خلّفته من آثار نفسية مازال موجوداً، إلى صوت الراوي وهو يسرد الزمن الفعلي ليوميات القذائف في الأمكنة التي سقطت فيها ابتداءً من عام 2013 وصولاً إلى 2018 وانتهاء زمن القذائف إلى 2019 وانتصار سورية، لتعود الكاميرا إلى انتزاع الزجاج اللاصق وظهور لوريس قزق، إحدى الشخصيات الأساسية، وهي تنظر إلى المرآة وتتابع بحركات خاطفة مرور الزمن وآثاره على وجهها. إشارة ثانية من مسعود تكتمل مع السرد الزمني إلى فتاة تجلس بصمت وكأنها مشاهدة، تمهيداً إلى مشهد البداية بتصوير سطح المنزل الكائن بالجادات وظهور إحدى الشخصيات الأساسية -الإعلامية أمينة عباس- المرأة المكتنفة بالسواد والتي تبوح معالمها بقسوة الحرب، تلملم من حبل الغسيل الثياب السوداء، إشارة إلى السواد الذي خيّم على سورية وإلى الخراب والدمار الذي حلّ بأرجائها، تنتقل كاميرا مسعود بإيقاع سريع إلى المشهد الأساسي الذي يجسّد اقتتال أبناء الشعب داخل سورية بإيحاءات المكان على الدرج بتعبيرية بالتضمين عن إسقاطات واقعية، وبعد المشاجرة والعراك بعنف بين شابين-أبطال الفيلم- إياد عيسى وحسن خليل، تنتقل الأحداث إلى منزل كبير برمزية إلى سورية التي تضمّ جميع أبنائها، وتدلّ لحظة دخول البطل محطماً نفسياً وجسدياً إلى الواقع الذي خلّفته الحرب.
لكن ما هي ردّة الفعل؟ هذا السؤال الذي وجّهته لوتس مسعود من خلال الكاميرا، لماذا يقف كل شخص أمام غرفته صامتاً لا يعنيه الأمر ولا السؤال؟ ليقفل المشهد الأخير حكاية الحرب بالعودة إلى المرأة التي كانت تجمع الثياب السوداء في البداية من حبل الغسيل، فنراها تجمع الثياب الملوّنة دلالة على نهاية الحرب وإشراقات أمل جديد.
اللافت في الفيلم تتالي الأفكار بمنطقية مع المشاهد واللقطات القريبة الموحية بالحدث، والأهم هو عنصر التشويق لمتابعة اللحظة القادمة، ما يدلّ على التزام لوتس مسعود بأسلوبية إخراج الفيلم القصير والتمكّن من تقنياته، وكان للموسيقا التصويرية التي قدّمها خالد رزق دور واضح في إنجاح الفيلم.
بعد العرض أدار موريس فياض الندوة بمشاركة أبطال الفيلم والمخرجة والجمهور وريم الشعار ممثلة مشروع مدى.
تحويل المكتوب إلى صورة
وجّه فياض سؤالاً إلى المخرجة لوتس مسعود عن رسالة الفيلم؟ فأوضحت مخاوفها بالبداية كونها اعتادت أن تكتب النص وتترك المسؤولية للمخرج بتعاونها مع والدها الفنان غسان مسعود من خلال تجربتها بالمسرح، أو مع شقيقها السدير مسعود، إلا أنها خاضت في “أول يوم” تجربة متكاملة، فمن الصعب تحويل النص إلى صورة فربما لا تستطيع إيصال المكتوب، إلا أن إيمانها بالفكرة وعملها مع فريق محترف ومتعاون ساعدها على تجاوز الصعوبات. وأشارت إلى أن رسالة الفيلم تشير إلى الوجع الذي أصاب كل سوري من زاوية ما، وانعكاسات الحرب النفسية بآثارها المدمّرة التي علينا ترميمها وتجاوزها. وأعربت عن سعادتها بمشروع دعم منح الشباب الذي أتاح لها تقديم نفسها مخرجة من خلال المؤسّسة العامة للسينما.
ورغم كل ما تقدّمه المؤسسة العامة للسينما من دعم للشباب، إلا أن الفنانة لوريس قزق ترى أن الشباب بحاجة أكبر للدعم المعنوي والمادي بما يلبي طموحهم ويمنحهم الفرصة لتنفيذ مشروعاتهم وتجاربهم السينمائية، ثم عقبت على الفيلم الذي يحمل تساؤلاً “إلى أين وصلنا؟”. وتحدثت عن النقاشات والجهد الجماعي بين فريق العمل والمخرجة للوصول إلى هذه النتيجة.
الثقة بكاميرا مسعود
ولم تشعر الإعلامية أمينة عباس، التي مثلت نقطة البداية والنهاية بالفيلم وبدت ممثلة محترفة وكانت إحدى الشخصيات الأساسية، بالرهبة من الكاميرا، لأنها على ثقة بكاميرا مسعود وتتابع أعمالها ومشروعاتها، وأعربت عن سعادتها بالعمل مع الشباب الذين لديهم الكثير من الأفكار الخلاقة.
فنية الصورة
الممثل إياد عيسى عبّر عن سعادته بنجاح الفيلم والعمل مع لوتس مسعود، التي تملك فنية الصورة السينمائية، إذ وجد اختلافاً بينها وبين عدد من المخرجين الشباب الذين قدّموا أفلاماً تشبه لوحات تلفزيونية أو مشهداً من مسلسل، وهذا ما شجّعه على العمل معها، وتحدّث عن دوره الذي يحمل رسالة عن الوجع العام ويطرح تساؤلاً: “هل فقدنا الإحساس بالآخر؟”.
الناقد نضال قوشحة علّق على رأي إياد عيسى بأنه يختلف معه بالرأي بجوانب تتعلق بالأفلام، وتحدّث عن أهمية ما قدمته لوتس مسعود وهذا ليس بغريب وهي ابنة علم من أعلام الفن السوري.
وأشارت رباب أحمد التي قدّمت الفيلم إلى أهمية مشروع دعم منح الشباب وإلى أهمية العرض الأول للفيلم في مركز (أبو رمانة).
ملده شويكاني