شتاء السويداء.. وعود باردة ومخصصات التدفئة بالقطارة؟
يبدو أن الشتاء سيكون قاسياً هذا العام على الأسر السورية التي لم تحصل بمعظمها على مخصّصاتها من مازوت التدفئة، رغم انخفاض درجات الحرارة الذي يُنذر ببدء فصل الشتاء. وإذا كانت السوق السوداء شكّلت حلاً في السنوات السابقة لمعظم تلك الأسر إلا أن الاقتراب منها حالياً يبدو مستحيلاً بسبب ارتفاع بورصة الأسعار بشكل يفوق قدرة غالبية تلك الأسر الشرائية. ولا يخفى على أحد أن مازوت التدفئة اليوم هو حديث الناس الأساسي وشغلهم الشاغل وهاجسهم الأول، وإن كان الحديث حوله إعلامياً سيكون من باب نقل هموم المواطنين المعروفة في معظم تفاصيلها عند المسؤولين، ولكن بالمقابل رجع الصدى لهذه الهموم يقول “ما باليد حيلة” لحلّ مشكلة تكرّر الحديث عنها في وسائل الإعلام كلها، وفي كافة الملتقيات والحوارات، ولكن الإجابة واحدة “ضمن الإمكانيات المتاحة”!.
نشرة جوية
يجلس أبو مازن بعيون جاحظة أمام التلفاز متأملاً النشرة الجوية، ومعادلة صعبة ترتسم في ذهنه، فمقابل الخرائط الجوية التي بدأ المتنبّئ الجوي عرضها على الشاشة، هناك عشرات الخرائط التي ترتسم في ذهنه بين أرضه العطشى للمياه، وخزان الوقود الفارغ لديه، فهل يدعو بقدوم منخفض جويّ أم يدعو لانحرافه بأي اتجاه كان؟. وماذا عن صورة الغيوم التي بدت واضحة في الخارطة الجوية، هل يفرح لقدومها، أم يحبط لما ستحمله من برد قارس سيخترق جسده وجسد أبنائه.
يقول أبو مازن وهو من ريف السويداء وتحديداً من قرية مفعلة إنه لم يحصل بعد على أي ليتر من مازوت التدفئة، رغم أن الأحوال الجوية تُنذر ببدء انخفاض درجات الحرارة، وأن استخدام المدافئ بات قاب قوسين أو أدنى.
ولم يخفِ أبو مازن امتعاضه من الإجراءات المتخذة، فحتى الكميات الموعودة وهي 200 ليتر لا تغني ولا تُسمن من جوع، فهذه الكمية وفقاً للمصروف اليومي لكل أسرة لا تكفي أكثر من 30 يوماً في حالات التقنين الشديد، أي إن معظم الأسر اليوم لا يوجد لديها مازوت تدفئة، وبالطرف المقابل ممنوع قطع الأشجار، وأسعار المازوت في السوق السوداء مرتفعة وكذلك الحطب. إذن حالنا بات ينطبق عليها المثل الشعبي: “صحيح لا تأكل، ومقسوم لا تأكل، وكول لتشبع”، ويطالب أبو مازن بإنصاف الأسر في المناطق الجبلية الباردة، فحاجتها مضاعفة عن حاجة الأسر في المناطق الداخلية والسهلية.
عدالة ومساواة
العدالة في كثير من الأوقات لا تعني المساواة، وهذا ينطبق على توزيع مازوت التدفئة، فما تحتاجه الأسر في الريف الشرقي للسويداء لا يقلّ عن 200 ليتر شهرياً كحدّ أدنى، بينما نصف الكمية تحتاجها قرى الريف الغربي، وما تحتاجه محافظة السويداء يفوق بشكل مضاعف حاجة محافظات أخرى أقل برداً، فإذا كان المعنيون بعمليات التخصيص والتقسيم راغبين بتحقيق العدالة، فهذا يتطلّب منهم تحقيق المساواة في تقاسم شدة برودة الطقس، وبالتالي لابد من دراسة واقع كل منطقة واحتياجاتها على حده، وتأمين تلك الاحتياجات وفق الإمكانيات المتاحة بعد بذل جهود لزيادة هذه الإمكانيات ورفعها عن عتبة 200 ليتر التي دخلت أيضاً في خانة الوعود الخلبية، بسبب عدم القدرة على توزيعها إلى عتبة أعلى، لعلّ ذلك يخفّف العبء عن باقي القطاعات من كهرباء وغاز وثروة حراجية، ويقدّم بعض الدفء للأسر التي لا تملك أي حلول، خاصة وأن لجنة المحروقات الفرعية فشلت في الوفاء بوعدها بتوزيع الدفعة الثالثة من مازوت التدفئة على كافة أسر المحافظة بعد أن أعلنت شركة المحروقات إيقاف العمل بالمخصّصات السابقة وفتح مخصّصات جديدة بمعدل ٢٠٠ ليتر لكل أسرة.
وعود خلبية!
الكثير من الأهالي لم يخفوا تخوّفهم من ارتفاع سعر مازوت التدفئة في موسم الشتاء وعدم تمكنهم من الحصول على كمية الـ 200 ليتر المخصّصة كدفعة أولى جراء انخفاض نسب التوزيع وقلّة عدد الطلبات الواردة للمحافظة، إذ أشاروا إلى أن نحو 50 بالمئة من الأسر لم تحصل على الدفعة الثالثة في الموسم الماضي، والكميات الموزعة لا تزيد نسبتها عن الـ20% بالرغم من مرور أكثر من شهرين على بدء عمليات التوزيع للدفعة الأولى!، ووفقاً للكميات الواردة إلى السويداء من مازوت التدفئة فإن كثيراً من الأسر لن تحصل على مخصّصاتها من الدفعة الأولى حتى منتصف الشتاء.
مدير فرع شركة المحروقات في السويداء خالد طيفور أوضح أن الكميات الموزعة منذ تاريخ 15 آب الماضي وحتى تاريخه قاربت ستة ملايين ليتر، وأن عدد الأسر التي حصلت على مخصّصاتها حتى الآن تجاوز الـ30 ألف أسرة من أصل 130 ألف أسرة في المحافظة، لافتاً إلى أن الطلبات الواردة من مادة المازوت إلى المحافظة يومياً تصل إلى 13 طلباً منها سبعة طلبات للتدفئة. وأشار إلى أن المحافظة بحاجة إلى زيادة مخصّصاتها لإيصال الـ 200 ليتر لكل الأسر قبل حلول فصل الشتاء.
معادلة المازوت والحطب
لاشك أن من أصعب المعادلات التي تبرز مع اقتراب موسم الشتاء هي المازوت والحطب، فنقص توزيع المازوت سيساهم حتماً بتوسّع عمليات التعدي على الثروة الحراجية وازدياد عمليات الإتجار بالحطب والمتاجرين به وبأسعار يمكن وصفها بالجنونية، إذ توازي أو تزيد بقليل عن أسعار المازوت المتوفر في السوق السوداء، وكلاهما يزيد سعره اليوم عن 120 ألف ليرة، سواء للطن أو البرميل وهو سعر مضاعف عن الأسعار التي كانت مطروحة العام الماضي وهو ما يدفع المواطنين للتساؤل إلي أن تسير الأمور؟!.
وفي هذا الصدد تمارس دائرة الحراج في السويداء دورها في حماية الحراج ومنع التعدي عليه ضمن الإمكانيات المتاحة، حيث يقول رئيس دائرة الحراج بمديرية زراعة السويداء أنس أبو فخر: إن عناصر الضابطة الحراجية تمكّنوا منذ بداية هذا العام ولغاية تاريخه، من مصادرة نحو ٤ أطنان من الحطب وحجز سيارة كانت محمّلة بالحطب، إضافة إلى مصادرة عشرة مناشير يدوية. وبيّن أبو فخر أن الدائرة قامت أيضاً بتنظيم ٢١ ضبطاً حراجياً بحق عدد من المخالفين جراء قيامهم بقطع الأشجار والمتاجرة بها، ولفت إلى أنه تمّ أيضاً تنظيم أكتر من ١٧ ضبطاً حراجياً جراء الحرائق، حيث بلغت المساحات المتضررة من الحرائق نحو ٤٣٧٥ دونماً.
مازوت المدارس أولوية
ويبقى الهاجس الأهم عند الأهالي توفير مادة المازوت في المدارس، فمخاوفهم كبيرة من اشتداد البرد والمدارس بلا وقود، وهذا لاشك سيساهم بحرمان الأطفال من الذهاب إلى المدارس خاصة في المناطق شديدة البرودة التي لا تحتمل الرهان على هذا الموضوع، خاصة وأن تجارب السنوات السابقة مع مازوت التدفئة بالمدارس لم تكن موفقة لجهة تأمين الكميات الكافية، حيث شهدت العديد من المدارس حالات نقص في الكميات، وهذا التخوف يبدو مبرراً مع انخفاض عدد طلبات مازوت التدفئة الواردة للمحافظة ليشكّل تأمين مادة المازوت للمدارس بالكميات الكافية ضرورة ملحة لإتمام العملية التعليمية والحفاظ على صحة وسلامة الطلاب والتلاميذ، وخاصة في الحلقة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي والتي تشكّل الحلقة الأضعف في مواجهة الأمراض الفيروسية والتنفسية وكذلك تسجيل حالات انتشار لوباء كورونا.
الأرقام الصادرة عن مديرية التربية بالسويداء تقول إن الكميات التي تمّ استجرارها وتوزيعها على المدارس على ساحة المحافظة بلغت نحو 270 ألف ليتر، والعمل جارٍ لتأمين كمية مماثلة قبل نهاية العام الجاري، بحيث تحصل كل شعبة صفية على 70 ليتراً كحدّ أدنى ريثما يتمّ تأمين باقي الكميات اللازمة مطلع العام القادم، حيث يبلغ الاحتياج الفعلي كحدّ أدنى سنوياً نحو 825 ألف ليتر.
حلول مؤجلة
قد يكون طرح مشكلة مازوت التدفئة إعلامياً اليوم تحصيل حاصل وتأكيداً للمؤكد، ولا يقدم أية إضافات جديدة للأسر الباحثة عن الدفء والتي تعلم تماماً صعوبة الظروف وتحديات الحصار، وتثق بالجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية لتأمين المحروقات ولكنها تنتقد الأداء والتقصير الحاصل من العام الماضي والذي حرم آلاف الأسر من مخصّصاتها.
رفعت الديك