أردوغان يحّرك أدواته لنسف الحوار في ليبيا
وسط ترقب دولي لنتائج الحوار في تونس بين الفرقاء الليبيين، والرامي إلى توحيد البلاد وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات عاجلة، تحوم شكوك كثيرة حول نجاح المحادثات في ظل تحرّكات أردوغان لقلب الموازين، ومحاولة إعادة ترتيب الأوراق لمصلحته ورفض الميليشيات في طرابلس تسليم السلاح والتهديد بنسف جهود إرساء السلام، ما من شأنه أن يفسد أجواء التفاؤل التي سبقت الاجتماعات.
وأبدت رئيسة بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز تفاؤلها بإمكان تحقيق نتائج إيجابية في المحادثات، لكن نظام أردوغان تسعى إلى إرباك أي تسوية لا تلبي مصالحه في المنطقة، حيث ينتابه توجس من أن الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة الليبية ستفقده نفوذه في ليبيا ويفقده سيطرته على زمام الأمور، ما دفع السلطات التركية إلى تحريك أدواتها في طرابلس وتحريضها على قلب موازين القوى في اجتماعات تونس، بالإضافة إلى زيارة عاجلة يقوم بها أردوغان إلى طرابلس، وفق وسائل إعلام تركية.
وفاقمت هذه الزيارة المرتقبة لأردوغان منسوب القلق من تحرّك النظام التركي نحو إفساد مسار الحوار المرتقب في تونس، وسعيه لقلب الموازين وترتيب الأوراق لصالحه. وفي هذا السياق قال الناشط السياسي الليبي، عبدالحكيم فنوش، “إذا تأكدت هذه الزيارة فإنها ستأتي في إطار إعلان هيمنة أردوغان واستمرار سلطانه على المنطقة الغربية من ليبيا”.
ويأتي الحوار الليبي في وقت أظهرت فيه الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس، والتي تدين بالولاء لأردوغان، رفضها قائمة المشاركين في المباحثات، متهمة البعثة الأممية بتحوّلها من وسيط إلى حاكم في ليبيا.
ودعت ما يسمّى “قوة حماية طرابلس”، وهي ائتلاف مسلح يضم ميليشيات تكفيرية، إلى “التظاهر ضد مجموعة من مندوبي الدول أصحاب المصالح في بلادنا”، مرجعة ذلك إلى أن الحوار الذي سيجرى بإشراف أممي “لا يمثّل كل أفراد الشعب الليبي وخضع للانتقاء والمحاباة في اختيار المشاركين”.
وهدّد صلاح بادي متزعم مليشيا “لواء الصمود”، والمتهم منذ 2018 بتهمة زعزعة استقرار ليبيا وهو مدرج على لائحة عقوبات مجلس الأمن، بنسف أي اتفاق ينبثق عن الحوار الليبي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة، وأعلن رفضه الالتزام باتفاق وقف النار الذي تم توقيعه بين الفرقاء الليبيين في جنيف قبل أسبوع، أو الاعتراف بأي مخرجات تنتج عن الحوار السياسي في تونس، معلناً تمسكه بالحرب وبالسلاح كخيار لحل الأزمة.
وتشير تحرّكات أردوغان، بالإضافة إلى خطابات ميليشيات الوفاق التصعيدية، إلى حجم التحديات والعراقيل التي تواجه تنفيذ اتفاق وقف النار ومدى نجاح المفاوضات السياسية التي ستجرى في تونس على الرغم من تفاؤل المبعوثة الأممية إلى ليبيا.
والشهر الماضي وقّع طرفا النزاع في ليبيا “اتّفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار” بـ”مفعول فوري”، مهّد الطريق أمام استئناف تصدير الإنتاج النفطي الليبي وشكّل تقدّماً على خط إنهاء الأزمة السياسية المستمرة منذ سنوات، وقالت وليامز للصحافيين في تونس “إنها فرصة فريدة. لقد تم إحراز تقدّم كبير”.
وترمي المحادثات السياسية التي تندرج في إطار عملية متعدّدة المسارات تشمل المفاوضات العسكرية والاقتصادية، إلى توحيد البلاد تحت سلطة حكومة واحدة وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات.
وتابعت وليامز: إن “الانتخابات يجب أن تكون الهدف النهائي”، داعية إلى “خارطة طريق واضحة” ترمي إلى إجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن، وتحدّثت عن “تقدّم ملموس على صعيد تدابير بناء الثقة التي رافقت الحوار العسكري”، كما واستئناف الرحلات الجوية الداخلية إلى جنوب البلاد وزيادة إنتاج النفط إلى نحو مليون برميل يومياً.
وسيشارك في الحوار 75 شخصاً اختارتهم الأمم المتحدة لتمثيل النسيج السياسي والعسكري والاجتماعي للبلاد. وهم سيشاركون في الحوار بعدما تعهّدوا عدم المشاركة في الحكومة المرتقبة، التي سيقع على عاتقها التصدي لأزمة مالية حادة وجائحة كوفيد-19، التي أوقعت أكثر من 900 قتيل، وأثقلت كاهل القطاع الصحي الليبي المنهك.
وقالت وليامز: إن “الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر”، حاضّةً المشاركين على “الحضور بروح التسوية والاستعداد لتقديم تنازلات لمصلحة ليبيا”.