الكورونا والدراما التلفزيونية
أعاد “كوفيد19″ الوباء الشهير بـ”الكورونا” من حيث لا يرمي، ضبط أوقات المتابعة الجماهيرية للدراما التلفزيونية، بعد أن تمّت برمجة الجمهور العربي، على وجبة دسمة من المسلسلات في الكرنفال الدرامي الرمضاني، وفي هذا حسنة لم تكن لتتحقّق لولا التأثير “الكوروني” على صناعة هذه الدراما وبالتالي عرضها، فمعظم الأعمال الدرامية التي تُعرض على مختلف الشاشات العربية هذه الآونة، هي من الأعمال التي قام “كورونا” بتأجيل صناعتها بعد الحظر العالمي الذي ضربه على البشرية برمتها، ما تسبّب بعدم دخولها الماراتون الدرامي بعد أن تأخّرت الشركات المنتجة في إنجاز تلك الأعمال، ما جعل من عرضها بداية على المنصات المختصة ومن ثم على الشاشة الفضية، لا يلتزم بالتوقيت الطارئ الذي حدث لهذه الدراما، والتي تمّ التعامل معها كما لو أنها من بقية تسالي “الصائم” بعد الإفطار، الأمر الذي أحدث إرباكاً في المشاهدة لكلّ الأعمال الدرامية، والتي كان يصل عددها في بعض المواسم إلى أكثر من 150 عملاً درامياً (محلي- عربي) بالنسبة للمشاهد، وهكذا فازت الأعمال الأكثر بذخاً في الإنتاج والدعاية والترويج بالجمهور، على حساب الكثير من الأعمال التي لم تستطع مجاراة لعبة التسويق المكلفة، الأمر الذي كان له انعكاسات خطيرة على هذه الصناعة الإبداعية، بعد أن فقدت روح التنوّع، فالعمل الذي يحقّق نسبة مشاهدات عالية، سيصبح له أجزاء لا تنتهي، خصوصاً وأن هذه النسب المرتفعة من المتابعة لهذا المسلسل أو ذاك، لم تقم أساساً على المنافسة، فما من أنداد لها، لا من جهة القصة والمستوى الجيد للشكل والمضمون، بل من جهة عدم إتاحة الفرصة لها بدخول المعترك الدرامي، بعد أن تمّ حصر الدراما التلفزيونية في 30 يوماً، وبالتالي فإن المشاهد ليس أمام خيارات مفتوحة، بل إنه موجّه بشكل مدروس نحو ما يجب أن يتابعه، وهذه من أخطر ما يمكن للدعاية أن تفعله، عدا عن الظاهرة الأغرب التي نتجت عن ذلك، وهي صناعة نجوم وفق مقاييس ومعايير تتطلبها هذه الدراما، فهؤلاء هم من سيحمل العمل مهما كان ركيكاً على مستوى الحكاية والأداء والإخراج، لتختفي تدريجياً الجماهيرية التي يصنعها النجم بسبب تفرّده في الأداء، وتحلّ محلها “النجومية” التي تصنعها ساعات الظهور الطويلة لهؤلاء الممثلين، ما أدى لاختزال الدراما المحلية والعربية ببضعة أسماء، تفوز بالليلة كلها كما يُقال، بينما العديد من الفنانين الموهوبين، لا فرصة لديهم إلا في ظهورات متباعدة وبحجم صغير نسبياً للدور، يكاد لا يجعلها تترك أثراً يُذكر عند المتفرج، عدا بعض الحالات النادرة.
اليوم ثمّة فرصة ذهبية لدى الجمهور لإعادة بسط شروطه هو على الفرجة التي يحب أن يتابعها، فالكثير من المسلسلات تُعرض كما أسلفنا خارج الموسم الدرامي السنوي، والذي كان من الكوابيس التي خيّمت على الصناعة الدرامية وأصابتها بلوثة الأجزاء إلى ما لا نهاية، بعد أن صارت هي أيضاً “دراما بسمنة ودراما بزيت”، عندما اشتغلت شركات الإنتاج الضخمة على تصدير أعمالها معتمدة على البذخ في كلّ مفردات العمل من نجوم تمّ تصنيعهم لذلك كمروجين لا أكثر، إلى ديكور وأزياء وإبهار بصري لا يُسمن من جوع، تصوير بديع لكن بلا معنى، نجم وسيم ونجمة جميلة لكن بلا أداء، ولتحلّ العلاقات الخاصة عوض الموهبة، خصوصاً وأن الممثل اليوم لم يعد فناناً، بقدر ما هو “براند” تسويقي لا أكثر.
طبعاً هذا ليس تعميماً، لكنه ساد منذ أكثر من عقدين من الزمن على هذه الصناعة التي نؤكد أنها في المقام الأول يجب أن تكون إبداعية، حتى صار هذا الشأن في المتابعة للأعمال الدرامية، معتاداً عليه من قبل الجمهور، وجاء “كوفيد 19” من حيث لا نحتسب ليُعدل هذا الحال المائل، ويفرد الـ 30 يوماً أمام باقي الأعمال، لتحظى بدورها بالمتابعة والاهتمام الجماهيري، والأهم إعادة -ولو بشكل جزئي- التنوّع في الأعمال المُقدمة، وهذا كان مفتقداً وبشدة في الدراما العربية عموماً، فليس “باب الحارة” أو “بقعة ضوء” على سبيل المثال لا الحصر، هما من يختصران الدراما السورية عند الجمهور المحلي والعربي الواسع الطيف، وسياسة “القطيع” المشغول عليها بعناية في الفرجة الدرامية، يبدو أنه انتهى زمنها أخيراً.
تمّام علي بركات