إلى متى هدر الدماء السورية؟
إعداد: إبراهيم أحمد
سعت الإدارة الأمريكية منذ العام 2012 إلى استمرار “نزيف الدم” في سورية، حيث قال موقع غلوبال ريسيرش الكندي في مقال للكاتب “توني كارتالوتشي”: منذ بداية الأزمة في سورية أصرّت أمريكا على أن تستهدف الدولة الوطنية تحلّ محلّها حكومة يرأسها المسلحون الذين زرعتهم قبل الأزمة، وسلّحت أمريكا وموّلت الإرهاب في سورية على طول فترة العشر سنوات الماضية . وتابع: إن مطالب أمريكا بتغيير “النظام” في سورية ليست وليدة اللحظة بل هي منذ إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش دول “محور الشر” بعد الحادي عشر من أيلول 2001، وعلى الرغم من أن سورية لم تلعب أي دور في هذه الهجمات، وهي في الواقع واحدة من الدول الرئيسية التي تشنّ حرباً على تنظيم “القاعدة” والعديد من المجموعات الإرهابية.
واستطرد الموقع: اليوم تتمتّع المناطق في سورية والتي هي تحت سيطرة الدولة بالسلام والأمن، وخاصة بعد أن قام الجيش العربي السوري بتحرير حلب، كما أن الحكومة تجهّز اليوم لإعادة الإعمار، فتحرير حلب لم يكن بعد التدخل الأمريكي المزعوم لمحاربة الإرهاب، بل على العكس من ذلك تمّ تحرير حلب نتيجة للعمليات العسكرية السورية، وبدعم روسي إيراني، التي تجري ضدّ الإرهاب. ومن الواضح أنه إذا كانت أجندة الولايات المتحدة في سورية إنسانية، فسوف تساعد الحكومة السورية في جهودها لتحسين الأوضاع الأمنية في جميع أنحاء البلاد، لكن بدلاً من ذلك، تعمل الولايات المتحدة بنشاط لتقويض هذه الجهود.
واختتم الموقع بالقول: إن خريطة الصراع الحالي في سورية تكشف أن العنف لا يزال قائماً في المناطق التي لا يزال الغرب وشركاؤه الإقليميون يحتلونها، بما في ذلك تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، التي تحتل ريف سورية الشمالي وعفرين، ناهيك عن الاحتلال الأمريكي المستمر لشرق سورية.
إلى ذلك، نشرت “أوراسيا ديلي” مقالاً حول خطر انتهاج واشنطن رسمياً سياسة اغتيالات كبار رجال الدولة في العالم. وجاء في المقال: الخبير الإسرائيلي والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية “ناتيف”، ياكوف كيدمي، في الـ 20 من أيلول الماضي، أجاب عن أسئلة الخبراء في برنامج “الحق في المعرفة” على قناة TVC وتعليقاً على تصريح ترامب الأخير بأنه أراد إعطاء أمر بتصفية الرئيس السوري بشار الأسد، قال كيدمي: “لم يكن هناك رئيس أمريكي لم يعتبر الاغتيال السياسي لرجل دولة، في هذه الدولة أو تلك، أمراً مرغوباً فيه وممكناً. فكل تاريخ الولايات المتحدة ما بعد الحرب، ولا أقول قبل ذلك أيضاً، مشبع بعمليات القتل هذه. حيث أمكنهم القتل، قتلوا، وحيث لم يستطيعوا، لم ينجحوا. أريد الآن التذكير بمن يقال إنه الأفضل، استناداً إلى الشائعات، أي الرئيس كينيدي. فخلال فترة توليه الرئاسة، تمّ التحضير لـ 170 محاولة اغتيال ضد (فيدل) كاسترو. هذا حسب شهادة الأمريكيين. ثم، ما الفارق بين قتل سياسي أو قتل 2.5 مليون فيتنامي؟ ولو تمكنوا من تدمير مدينة هوشي منه، لفعلوا ذلك. لكنهم لم يستطيعوا. بل يمكنني قول أكثر من ذلك لكم، فلو تمكنوا من تصفية رئيسكم (بمعنى فلاديمير بوتين)، لفعلوا ذلك. لم يتحلوا بأي قواعد أو أطر أخلاقية، ولا هم يتحلون بها الآن، ولن يكون ذلك أبداً.. السؤال الوحيد هو النفعية”.
إضافة إلى ذلك، كشف الموقع المذكور في مقال للكاتب “ريك إسترلين” الاتهامات الأمريكية الزائفة بشأن استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية والغرض الحقيقي من هذه الادعاءات والحروب التي شنّتها أمريكا في سورية وليبيا والعراق وسط حملة الأكاذيب التي تنشرها واشنطن. حيث قال: إن المسؤولين الأمريكيين يّدعون مرة أخرى بأن اللدولة السورية استخدمت “الأسلحة الكيميائية” وهدّدوا بأن الجيش الأمريكي قد يضطر إلى “مساءلة” الحكومة السورية، ومرة أخرى، تبثّ وسائل الإعلام الغربية هذه الاتهامات والتهديدات دون تأكد أو تحقيق.
وكتبت صحيفة واشنطن بوست بعنوان “إدارة ترامب: سورية ربما تستمر في صنع واستخدام الأسلحة الكيميائية”. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين زعمهم: إن “الحكومة السورية قد تقوم بتطوير أنواع جديدة من الأسلحة الكيميائية، والرئيس ترامب مستعد للنظر في المزيد من العمل العسكري، ويعتقد أن الحكومة السورية حافظت سراً على جزء من مخزون سورية من الأسلحة الكيميائية”!. وأضافوا: “سوف نبحث استخدام المزيد من القوة ضد حكومة دمشق”!، حسب تعبيرهم.
واستناداً إلى استعراض الحقائق من التاريخ الحديث، فإن قصة “الكيماوي” خاطئة ويجري بثها لخداع الجمهور وتضليله استعداداً للعدوان العسكري الجديد. وقال الموقع الكندي إنه قد سبق غزو فيتنام بأكثر من 50 ألف جندي أمريكي، حادث خليج “تونينين” الذي كان يفترض فيه أن السفينة الفيتنامية هاجمت سفينة أمريكية، وبالطبع هذا لم يكن صحيحاً، وكان الرئيس جونسون يعرف ذلك. وتمّت الموافقة على القرار بالإجماع (416- صفر) في مجلس النواب الأمريكي، وهنا يجدر السؤال: من الذي كان مسؤولاً عن كل هذا الكذب الذي أدى إلى إرسال 55 ألف جندي أمريكي ليقتلوا ملايين الفيتناميين؟.
وفي عام 2003 شنّت الولايات المتحدة غزواً كبيراً على العراق ما أدى إلى وفاة أكثر من مليون عراقي على أساس الأدلة الكاذبة والمختلقة التي قدمتها وكالة المخابرات المركزية، وبدعم غير حاسم من قبل وسائل الإعلام الرئيسية. وفي عام 2011 قادت الولايات المتحدة هجمات الناتو على ليبيا مع الغرض المعلن “حماية المدنيين” من المجزرة. وقد تمّ شرح ذلك وتشجيعه من قبل الصحفيين والمخربين مثل نيكولاس كريستوف وخوان كول. وتفاخر مسؤولو الناتو بعملياتهم، وبعد النشوة الغربية القصيرة، أصبح من الواضح أن الحملة مبنية على الأكاذيب والنتيجة الحقيقيّة هي انفجار التطرف والمذابح والفوضى التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين هي المساءلة؟.
وفي آب من عام 2013 سمعنا عن هجوم بغاز السارين واسع النطاق على مشارف دمشق، حيث اتهمت هيومن رايتس ووتش، وغيرها ممن يشجعون على شنّ هجوم غربي، الحكومة السورية، ووجهوا نداءً لـ أوباما بأن الولايات المتحدة بحاجة للتدخل مباشرة، وكشفت التحقيقات اللاحقة أن الحكومة السورية لم تنفذ الهجوم بالغاز، وقد ارتكبها فصيل إرهابي معتمد من قبل تركيا بهدف الضغط على إدارة أوباما لمهاجمة سورية مباشرة. وقدم اثنان من البرلمانيين الأتراك دليلاً على تورط تركيا في نقل غاز السارين إلى الأراضي السورية التي تخضع لسيطرة الإرهابيين. وقد قام بعض من أفضل صحافيي التحقيق الأمريكي، ومنهم روبرت باري وسيمور هيرش، ببحث واكتشاف الأدلة التي تشير إلى أن “الإرهابيين” المدعومين من تركيا ليسوا سوريين، وعلى الرغم من الأدلة الواقعية التي كشفت الادعاءات الكاذبة استمرت الأكاذيب.
وفي الآونة الأخيرة أصبح واضحاً أن الجيش الأمريكي لا ينوي وقف جهوده لتدمير سورية. وعلى الرغم من الارتباك والمطالبات المتناقضة في الإدارة الأمريكية، فإن الحقيقة الأساسية هي أن الولايات المتحدة تقوم بتدريب وتوريد ميليشيات عسكرية لشمال سورية، حيث قالت الولايات المتحدة إنهم في سورية للتخلّص من “داعش” ولكن الآن بعد أن ذهب “داعش” إلى حدّ كبير، يقول الجيش الأمريكي أنه لن يغادر. على العكس من ذلك، ساعد الجيش الأمريكي على مرافقة مقاتلي “داعش” من الرقة إلى البوكمال، وتقوم الولايات المتحدة الآن بتدريب مقاتلي “داعش” على إعادة تجسيدهم كقوة أخرى مناهضة للدولة السورية.
وكما هي الحال دائماً، يحتاج العدوان الأمريكي إلى قدر من الدعم السياسي. ولتحقيق ذلك، يحتاجون إلى تبرير، وبالتالي فإنهم جعلوا أسلحة الدمار الشامل مرة أخرى ذريعة غبية بشكل لا يصدق عن الاحتلال الأمريكي المستمر لشرق سورية لنهب ثروات هذا البلد ومقدرات الشعب السوري، وفرض سياسة الأمر الواقع عليه.