مجلة البعث الأسبوعية

المواطن يسأل ومدير “محروقات” لا يرد على هاتفه.. أسواق منفلتة و”حماية المستهلك” في إجازة!

“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري

على وقع الارتفاع الحاد وغير المسبوق في الأسعار والتغير في سعر الصرف صعوداً، مقابل انخفاض القيمة الشرائية لليرة خلال الأيام القليلة الماضية، فقد ذوو الدخل المحدود والمتوسط معظم خياراتهم في تدبير أحوالهم وأوضاعهم المعيشية التي تسوء يوماً بعد يوم في ضوء تزايد متطلبات واحتياجات الأسرة اليومية، خاصة في مثل هذه الأوقات من السنة، والتي تتزايد احتياجاتها ونفقاتها مع افتتاح الموسم الدراسي وقدوم فصل الشتاء والحاجة الماسة لتأمين متطلبات “المونة الشتوية”، إضافة إلى صعوبة توفير الحد الأدنى من مستلزمات الطاقة والتدفئة المنزلية من مادتي المازوت والغاز المنزلي.

ولعل المعضلة الأكثر تعقيداً تكمن في حالة الانفلات الجنوني للأسواق وفي الارتفاع اللحظي والمزاجي في أسعار السلع الغذائية والخضار والفواكه واللحوم وغيرها من المواد الأساسية اليومية، وهو ما ترك الكثير من إشارات الاستفهام حول جدية الإجراءات المتخذة من الجهات المعنية في المحافظة، وتحديداً مديرية حماية المستهلك التي لا تقوم بالمهام المنوطة بها على أكمل وجه، ما أدى بالنتيجة إلى هذا الانفلات غير المسبوق في الأسعار، وزاد من حالة الجشع والاستغلال والاحتكار والغش والتدليس، ووسع من نطاق السيطرة والتحكم بالسوق من قبل كبار وصغار التجار ومرتزقة الأزمات الذين “يأكلون البيضة وقشرتها”، ويتحكمون بقوت المواطن دون أي وازع أخلاقي أو إنساني.

 

واقع معيشي صعب

ويرى البعض ممن التقيناهم أن الوضع المعيشي لم يعد يحتمل في ظل غياب – بل انعدام – التوازن بين الدخل اليومي، أو الشهري، للمواطن وبين المتطلبات اليومية؛ ويتهم البعض الآخر بوجود شراكة وتواطؤ بين دوريات حماية المستهلك والتجار، ما يفسر – حسب رأيهم – حالة الفوضى العارمة التي تشهدها الأسواق وغياب المتابعة المطلوبة لضبط حركة السوق، ووجد البعض الآخر أن المشكلة تكمن في ضعف الرواتب والأجور، وهو ما يؤثر سلباً على الواقع المعيشي والاقتصادي، ويؤدي بالنتيجة إلى انكماش في الجانب الاقتصادي وتضاؤل وتراجع حركة العرض والطلب، ورأى آخرون أن التحكم بالسوق، من قبل مجموعات بعينها، يحتاج إلى تدخل فوري وعاجل من الجهات المعنية لوضع حد للانفلات غير المسبوق في الأسعار، وأن الحاجة تبدو أكبر لتفعيل الدور الرقابي وتشديد العقوبات بحق المتاجرين بقوت المواطن، والتعاطي الحازم والصارم مع مافيات السوق ومحاولاتهم المستمرة في استغلال الظروف والسعي لتحقيق أرباح غير مشروعة، وفرض أقصى العقوبات بحق مرتكبي التجاوزات غير القانونية لجهة الاحتكار والابتزاز والغش والاستغلال والتضييق على المواطنين في لقمة عيشهم.

والكثير ممن التقيناهم طالبوا بحجب أسمائهم الصريحة، باستثناء البعض الذين ضاقت بهم سبل العيش، فتحدثوا بصراحة موجهين الاتهام إلى الوزارات والمديريات المختصة، وإلى أصحاب القرار في المحافظة، مطالبين باتخاذ إجراءات عاجلة تسهم في التخفيف من معاناتهم وتلبي الحد الأدنى من احتياجاتهم.

محمود. ش، موظف ورب أسرة مؤلفة من زوجة وثلاثة أطفال، يقول: راتبي لا يكفي لسد احتياجات أسرتي مدة أسبوع؛ ومع أننا، ومنذ فترة طويلة، نتبع سياسة تقشف دقيقة ومحكمة إلا أن ذلك لم يعد مجدياً ونافعاً. كنا سابقاً نميل إلى الاستدانة من الأهل والأصدقاء لكي نستطيع إكمال دورة الشهر، وهو ما لم يعد متاحاً حالياً، فالجميع يعيش ضائقة كبيرة، وبالكاد يستطيع تدبر أموره المعيشية. ويطالب محمود، نيابة عن زملائه الموظفين، بزيادة الرواتب بما يتناسب مع الواقع المعيشي الراهن ومع ارتفاع الأسعار المتزايد.

فراس. أ – يجمع بين العمل الوظيفي والدراسة الجامعية – بين أنه بالكاد يتدبر مصاريف دراسته، وهو يسعى بكل طاقته لمساعدة أسرته للتخفيف من الأعباء الكبيرة التي يتحملها والده المتقاعد في سبيل أن يؤمن ضروريات العيش اليومية. يضيف: أشعر أنني أتحمل مسؤولية كبيرة، وأنا في مقتبل عمري أحاول أن أبني مستقبلي من خلال الدراسة، ولكن هناك حاجة ملحة لأساند والدي وأسرتي في ضوء ما نعيشه من ظروف معيشية صعبة جداً، وهو ما ينسحب على الكثيرين من الطلاب، زملائي، الذين يتابعون دراستهم ويحاولون تأمين فرصة عمل تعينهم على تأمين احتياجاتهم.

عبد القادر. د، متزوج ولديه ولدان، يقول: بالرغم من أن عائلتي صغيرة إلا أنني لا أستطيع سد جزء من احتياجاتها، ونحن مقبلون على موسم الشتاء والحالة صعبة للغاية وهمنا هو تأمين مادة المازوت والغاز المنزلي، وما نتمناه أن يتم توزيع المخصصات قبل أن ينتهي موسم الشتاء. ويتابع: تخلينا عن الكثير من الاحتياجات الضرورية لتغطية نفقات أولادنا الدراسية ولباسهم وطعامهم؛ والحال من سيء إلى أسوأ إن لم يكن هناك تدخل من الجهات المعنية لضبط الأسعار ولجم التجار الجشعين الذين يتحكمون بالسوق على هواهم ومزاجهم.

 

إجراءات صارمة ولكن ؟

يؤكد المهندس أحمد سنكر، مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أن جهود المديرية مستمرة على مدار الساعة لضبط الأسعار ومنع ارتفاعها بحجة ارتفاع سعر الصرف. ويضيف: لا شك أن تذبذب سعر الصرف – ارتفاعاً وانخفاضاً – تسبب بحدوث خلل في ميزان السوق، وقمنا بالإجراءات المطلوبة لمنع استغلال هذا الظرف الطارىء من خلال تشديد الرقابة وتكثيف الدوريات النوعية والتخصصية لرصد التجاوزات والمخالفات بما يتعلق بعمل الأفران وتجار الجملة والمفرق والمعامل الإنتاجية، والتأكد من التزام الأسعار المعتمدة، وإبرازها بشكل واضح، ومن صحة الفواتير المصدرة، ومن جودة وسلامة المنتج، إضافة إلى سحب العينات وتحليلها، وهو عمل يومي نجح إلى حد مقبول في ضبط السوق، ولكن المشكلة الأساس أن البعض يحاول استغلال هذه الظروف لجهة احتكار المواد ورفع أسعار السلع والتلاعب بالمواصفات ومخالفة القوانين والتعليمات لتحقيق أرباح إضافية، وهو ما نحاول جاهدين الحد منه من خلال تنظيم الضبوط بحق المخالفين واتخاذ إجراءات صارمة، تصل درجة الحبس، بحق مرتكبي المخالفات والمتلاعبين بقوت المواطن؛ ومنذ بداية العام الحالي وحتى الآن، تم تنظيم ما يقارب 5803 ضبوط تموينية متنوعة وتشميع حوالي 320 محلاً تجارياً، وإحالة أصحابها إلى القضاء المختص لمعاقبتهم بالسجن وبالغرامة المالية التي تصل إلى مليون ليرة في بعض الحالات، وتنظيم 20 ضبطاً بحق موزعي مادة المازوت بسبب الغش في كيل المادة وتهريبها.

وأشار سنكر إلى أن النقص الكبير في عدد المراقبين التموينيين وفي عدد الآليات يحول أحياناً دون تغطية كامل المدينة والريف، وهو ما تحاول المدرية تداركه من خلال زيادة ساعات العمل وتكثيف الدوريات نهاراً وليلاً، مبيناً أن الوزارة تدرس حالياً ردف المديرية بحلب بآليات جديدة وبمراقبين جدد.

 

آلية توزيع الغاز والمازوت

وبما يخص أزمة الغاز وآليات توزيع مازوت التدفئة، أوضح سمير جعفر مدير المكتب المختص في مجلس المحافظة أن آلية التوزيع منتظمة ومنضبطة، وتتم من خلال لجان مشتركة ومخاتير الأحياء، وكل الكميات الواصلة إلى حلب من المصدر يتم توزيعها أصولاً، وبمعدل 200 لتر للأسرة كدفعة أولى، مؤكداً أن المحافظة حريصة كل الحرص على إيصال المادة لمستحقيها خلال الفترة المحددة والبدء بتوزيع الدفعة الثانية.

وبين جعفر أن أولوية التوزيع كانت لأسر الشهداء وجرحى أبطال الجيش، والتوزيع مستمر بشكل يومي وفق خريطة محددة من قبل “فرع محروقات حلب”، وبإشراف ومتابعة من المكتب التنفيذي. .

وحول ما يشاع عن وجود نقص في مادة الغاز المنزلي أكد جعفر أن المادة متوفرة وتوزع وفق آلية البطاقة الذكية، ولا يوجد أية أزمة في الحصول على اسطوانة الغاز.

وحاولنا عشرات المرات الاتصال بمدير “فرع محروقات حلب”، المهندس سائد البيك، لتوضيح بعض الجوانب بما يخص الحصص الواردة وآليات التوزيع، إلا أنه لم يرد على هواتفه الأرضية وهاتفه الجوال.

 

ختاماً

مما تقدم نجد أن المواطن ما زال الحلقة الأضعف في المشهد اليومي، حيث يعاني من ضيق ذات اليد، ومن تفاقم المشكلات والأزمات اليومية، ويعيش بين مطرقة الأسعار الملتهبة وسندان القرارات الرخوة وغير المجدية، والتي أنتجت واقعاً لا يحتمل في ضوء تراجع دخله اليومي والشهري، وعجزه في تأمين الحد الأدنى من احتياجات ومستلزمات أسرته، ما يدفعنا مجدداً إلى المطالبة بإيجاد حلول عاجلة واستثنائية للتخفيف من معاناته اليومية، والأهم إعادة النظر بهيكلية المؤسسات المعنية ومهامها وصلاحياتها واتخاذ كل ما يلزم لضبط حركة الأسواق وتضييق الخناق على المتحكمين والمتلاعبين بقوت المواطن، وهو ما نضعه برسم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والمعنيين في حلب، لفك لغز هذا الملف الشائك الذي يعج بالفساد والمفسدين.