“ثابتان” أسهما بانخفاض سعر الصرف إلى مستوى محدد.. و”متغيران” لا يزالان يذبذبانه..!
“البعث الأسبوعية” – المحرر الاقتصادي
من المريب حقيقة ما يحدث بسوق القطع من تذبذبات حادة خلال فترة قصيرة لم يكتنفها أي حدث استثنائي يمكن أن يكون سبباً موضوعياً يبرر هذا التذبذب، فالعقوبات والحصار كان لهما تأثير واضح في هذا الشأن وصل إلى حد معين، أي أنهما ثابتان ولم يطرأ عليهما أي مستجد حتى ينعكس على سعر الصرف، وبالتالي ولدى التواصل مع بعض المصادر المطلعة على سوق القطع والمتابعة لحيثياته، فقد تبين أن المتغيّرين الحقيقيين، الذين يؤثران دائماً وبشكل مباشر على سعر الصرف، هما “التهريب والمضاربة”، فبمقدار نشاط هذين المتغيرين، بمقدار ما ينخفض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وبمقدار توقف أو انحسار المتغيرين بمقدار ما يرتفع سعر صرف الليرة..!
كلاهما خطِر..!
وبينت المصادر لـ “البعث الأسبوعية” أن كلا المتغيرين خطيرين، لكن التهريب أكثر خطورة، فهو يستنزف كميات ليست بالقليلة من القطع الأجنبي من السوق المحلي، ما يزيد بالنتيجة من مستوى الطلب على القطع، وبالتالي يخضع لمضاربة وفق معادلة العرض والطلب، يقودها المضاربون بطرق ملتوية في أروقة وأزقة السوق المظلمة، مشيرة إلى أن ثمة علاقة طردية بين “المهربون والمضاربون” وأن نشاط الثاني مرتبط بنشاط الأول..!
ملفتة ولكن..!
وبينت المصادر أن جهود الدولة انصبت خلال الفترة الماضية على مكافحة التهريب ومحاصرة رموز المضاربين وقد نجحت بالفعل بذلك وأثمرت عن نتائج ملفتة انعكست على تحسين سعر الصرف، لكن على ما يبدو أنهما عاودا نشاطهما مجدداً، ولذلك تشهد سوق القطع تذبذبات حادة، باتت بحاجة إلى يد من حديد لتعيد السوق إلى صوابه..!.
ارتدادات..!
لاشك أن ما يجتاح سوق القطع من تذبذبات حادة، سرعان ما تنعكس ارتداداتها على أسواق السلع والخدمات، وبالتالي تزيد من صعوبة الوضع المعيشي للمواطن، ما أدخلها في حالة من التخبط ليس أولى ملامح هذا التخبط ارتفاع الأسعار غير المسبوق لمعظم السلع والمواد الأساسية واليومية، ولا آخرها ما حلّ بالأسواق من احتكارات وفقدان بعض السلع والمواد وسوء وتدهور الخدمات المقدمة للمواطن الذي على ما يبدو لا يزال خارج تغطية الاهتمام الحكومي، ولاسيما بعد أن أصبح سعر الصرف وتذبذباته حديث الشارع برمته، وأن يدعي من لا تمت مهنته أو حرفته بالدولار بصلة أن ارتفاعه أثر على رفع تكاليف إنتاجه..!.
شماعة..!.
في كل مرة يحدث أي تذبذب لسعر الصرف مهما كانت حدته “ضعيفة أم شديدة”، يتم اتخاذه كشماعة لتبرير فوضى الأسواق، وربما لا نبالغ بالقول: وصلنا إلى مرحلة امتص فيها الدولار دخولنا وهدد مدخراتنا، منذرا بانقراض الطبقة الوسطى وازدياد أعضاء الطبقة الفقيرة وتعميق فقرها، وتعاظم ثروات الأغنياء خاصة المستفيدين من لعبة سعر الصرف إن صح التعبير، فأبطال هذه اللعبة نجحوا إلى حد كبير بإخراج حلقات مسلسل ارتفاع سعر الصرف في متوالية لم يغب عنها العامل النفسي الذي أعطى انطباعاً بتدهور عملتنا الوطنية ما شجع السواد الأعظم من مجتمعنا على الإسراع بتبديلها بالدولار من استطاع إليه سبيلا إلى جانب الذهب والعقار..!
المواطن هو الضحية..!
رغم قناعتنا بأننا نمر بأزمة ويفترض أن يتحمل المواطن جزءاً من إفرازاتها، لكن ما يحصل يدل على أن المواطن هو الضحية الكبرى وعليه دائماً أن يتحمل الجزء الأكبر من تداعيات أي أزمة نمر بها صغرت أم كبرت هذا إن لم نقل كلها، ما يستوجب على الجهات المعنية مسك زمام الأمور، واتخاذ إجراءات تكبح جماح سوق القطع غير المنطقي، والمرتبط بأغلب الأحيان بمصالح ضيقة، وسبق لنا وأن أشرنا بأكثر من مناسبة إلى أن بعض خبراء الاقتصاد قد طرحوا وجوب اعتماد إجراء اقتصادي في هذه المرحلة يتمثل بتحديد الفرص الذهبية والفضية والبرونزية لتشغيل الدولارات وضخها في شرايين الاقتصاد السوري، والتمييز بين المستثمرين الحقيقيين لها لإعادة تسييلها وتحقيق القيم المضافة والمتوخاة منها، عبر تشغيل المصانع المتوقفة وإحداث المشاريع الكفيلة بإمداد السوق المحلية بما يلزم من مواد وسلع، وبين المضاربين الساعين لانتهاز الفرص على حساب المصلحة الوطنية وقوت المستهلك، فقرار الضخ الصحيح إلى القنوات السليمة سينعكس إيجابياً على سعر الصرف من ناحيتين الأولى تعزيز الثقة بالليرة السورية والتي تتولد لدى المستثمر الحقيقي عندما يدرك تماماً أن لدى السلطة النقدية ما يكفي من القطع لتمده بما يحتاج منه لكي يدير أعماله، وعندما يلمس المواطن السوري بأن هذا المستثمر قد استطاع توفير ما يلزمه من احتياجات سوف تعود ثقته بالليرة السورية وبأن الحكومة قادرة على القيام بالتزاماتها الاقتصادية.
وتتعلق الناحية الثانية بتمويل المستوردات في حال دخولها إلى السوق وأصبحت بمتناول يد المستهلك الذي سيجد أن السوق لم تتغير وأن السلع بدأت تعود إليه بأسعار مقبولة، وبالتالي لا خشية لديه من أن الدولة ليس لديها موارد لتأمين احتياجات مواطنيها.
أخيراً..
تبقى الإشارة إلى أن الليرة السورية حجزت لها مكاناً بارزاً في أزمتنا المريرة، فما تكاد تتوارى عن الإعلام حتى تعود مجدداً كمادة إعلامية دسمة، فتتوالى التحليلات والتعليقات الاقتصادية والإعلامية حول مصيرها ومدى قدرتها على الصمود أمام الدولار وما إلى ذلك من تكهنات ترهق أعصاب المواطن السوري وتزيد من متاعبه وهمومه اليومية، علماً أن العملة في أي بلد كان ليست هدفاً بعينه وإنما عبارة عن مؤشر يعكس قوة ومتانة الاقتصاد، لقد أصبحت عملتنا الوطنية أشبه ما تكون خاضعة للعبة “شد الحبل” التي يفرضها طرفيها، فعندما يشد الطرف الأول الحبل لجهته ممثلاً بسلطتنا النقدية وتتدخل لتحكم قبضتها على سوق الصرافة تستقر الليرة عند حدودها الطبيعية، بالمقابل سرعان ما يتحفز الطرف الثاني (المضاربون ومن لف لفّهم من شركات الصرافة) ليقوم بدوره بشد الحبل لجهته عبر المضاربة بسعر الصرف، فتكون النتيجة تدهور الليرة وانخفاض سعر صرفها أمام الدولار..!