ثقافةصحيفة البعث

الأدب النسوي بين القبول والرفض

يثير أدب المرأة عدداً من الإشكاليات اللغوية والأخلاقية والتاريخية والاجتماعية، ما هو الأدب وخصائصه الدلالية والجمالية وقد تعدّدت الآراء والمصطلحات؟.

الأديب رياض طبرة يقول: مازال مصطلح الأدب النسوي إشكالياً ويبعث على التساؤل إذا كان دقيقاً في تحديده، لكننا نهجنا على اعتبار ما تكتبه المرأة في مجال الشعر والقصة والرواية أدباً نسوياً منفصلاً عن أدب الرجال، وهذا فيه تعسف في المصطلح، فالأدب عندي هو الأدب بغضّ النظر عمن أبدع هذا الأدب الذي يتناول قضايا المرأة بشكل عام، سواء أكان المبدع كاتباً أم كاتبة، ويظل الحكم على الأدب مرتبطاً بأنه أدب وفيه من التعريف بنفسه ما يمنع أي تصنيفات له، كأن تقول أدب طفولي أو رجالي أو نسائي، إن الأدب في كل تجلياته حالة من الرقي والانتخاب وحسن الاختيار للموضوع والشكل الأمثل لتقديم الأفكار والرؤى. لقد شهد تاريخ الأدب العربي وجود شاعرات أضفن جميلاً وجديداً للشعر العربي، مع ذلك لم يفصل هذا التاريخ بين الخنساء وشعراء صدر الإسلام، بل تعامل مع شعرها مثلما تعامل مع شعر النابغة وحسان بن ثابت وباقي أعمدة الشعر العربي، ومثل ذلك ينسحب على كل الأديبات العربيات عامة والسوريات خاصة أمثال قمر كيلاني، كوليت خوري، غادة السمان.

الأديب طلال الغوار يقول: في ظرفنا الحالي ليست هناك فروق واضحة بين الأدبين سوى أن هناك امرأة كتبت هذا النص أو رجلاً، فقياس مزايا الأدب وقيمته الفنية لا تتطلّب معرفة نوع الكاتب أكان رجلاً أم امرأة، لكن هناك فهماً شائعاً للأدب النسوي الذي يطرح قضية المرأة وأحوالها ومشكلاتها ونظرة الرجل إليها، وما هي حقوقها والمعبّر عن نضالها الطويل من أجل انتزاع حريتها وتساويها مع الرجل كإنسان.

الأديبة لينا حمدان تحدثت: من حيث المبدأ أنا لا أميل لمثل هذا الفصل وهذه التسمية “الأدب الأنثوي” أو النسائي، من وجهة نظري أرى أن الأدب إنساني أولاً وأخيراً، ولا أستطيع أن أدّعي بأن المرأة أكثر عناية بالتفاصيل وأكثر شفافية بالأسلوب رغم الميل نوعاً ما لهذه الملاحظة لأن بعض الأدباء الرجال يفاجئوننا بعذوبة مفرداتهم ورهافة مشاعرهم كجبران خليل جبران على سبيل المثال لا الحصر، إنما يمكن أن تكون الملاحظة بالموضوعات التي تطرحها المرأة وأسلوب الطرح المتباين مابين الرقة والعذوبة والشاعرية والخيال وبين الجرأة والواقعية والمباشرة أحياناً، فالجو الاجتماعي يدفع المرأة للبوح بالتلميح أكثر من التصريح، وهذا من وجهة نظري تميّز وإبداع إضافي، فالشعر الأجمل ما أوحى بالفكرة والصورة وليس بعرضها الواقعي الواضح المباشر وإلا صار النص أشبه بمقال أو خطبة تميز المرأة ربما بالدخول للتفاصيل النفسية والروحية والإشارة عن بعد، وهذا ما يضيف جمالاً وسحراً، طبعا أنا لا أعمّم فليس كل ما تكتبه النساء أدباً أو فناً، ولاسيما في أيامنا هذه، حيث كثر المتسلّقون وتبارى معظم العاطلين عن العمل في خوض غمار هذا العالم الشعري والفضاء الأدبي الواسع. الأدب النسائي موجود منذ القدم، فالخنساء كانت تباري الشعراء الرجال وتتفوّق عليهم، وفي عصرنا الحديث قرأنا لفدوى طوقان ونازك الملائكة ثم سعاد الصباح، فغالباً ما تضيف المرأة ملامح الانتماء للأسرة وحيث الأولاد، أو ما تعانيه المرأة من قهر اجتماعي وضرورة التحرّر من السلطة الذكورية أو الدعوة لاعتماد الفكر واحترام العقل وإنسانية المرأة قبل أنوثتها، ومن هنا أعود للرأي الذي أؤمن به أن الأدب إنساني أولاً وأخيراً.

الأديبة ليندا إبراهيم تقول: أنا على يقين تام بأن الكتابة تجربة إنسانية من الطراز الرفيع، ومع اضطهاد المرأة تاريخياً وإلحاقها بالرجل اقتصادياً وسياسياً وبالتالي اجتماعياً، وانعكاس هذه النظرة وهذا الواقع على المعاملة ضمن الأسرة، انعكس هذا تأخراً في ظهور الكاتبات والروائيات والشاعرات والأديبات بشكل عام، وقد ظهر مصطلح الأدب النسوي في فرنسا سبعينيات القرن التاسع عشر آخذاً مساحة كبيرة وهامشاً واسعاً في التداول والنقاش داخل الساحة الثقافية، هادفاً في المقام الأول إلى تعرية الواقع الذكوري والمجتمع الأبوي وإماطة اللثام عن قضايا المرأة المسكوت عنها، وفي العقد الأخير شهدنا ارتفاع موجة الكتابة النسوية وازدياد عدد الكاتبات الإناث في شتى أنواع الكتابات، بل وتميّز نوعي لدى نفر غير قليل منهن في الإفصاح عن مشاعر الأنثى وهمومها وقضاياها.

الأديب محمود الجمعات يقول: لست مع التفرقة، الأدب أدب وهل كان هناك فرق في الجاهلية بين شعر الخنساء وشعر الرجال الذين عاصروها؟، لقد كانت نداً لهم حتى أن النابغة الذبياني كان حكماً بينها وبين حسان بن ثابت في سوق عكاظ، فحكم للخنساء أنها أشعر من حسان فغضب حسان وقال له أنا أشعر منك ومنها ومن أبيك وأبيها.

ومن وجهة نظر الشاعر سمير حماد يوجد أدب نسوي نعم، ومن ينكر هذا يتجنى على المرأة، لا أحد أقدر منها على التعبير عن مشاعرها، وأغلب ما كتبته غادة السمان أدب نسوي وما كتبته إيزابيل الليندي أيضاً وكذلك أحلام مستغانمي ومئات من الكاتبات العربيات والعالميات في الرواية وفي الشعر يظهر هذا أكثر.

طبعاً الكتّاب الذكور قادرون على التعبير عن المرأة أيضاً، لكن يبقى هناك خصوصية لدى المرأة ليست الأمومة إلا واحدة من هذه الخصوصية، ناهيك عن مشاعر الحب والجنس وأمور كثيرة أخرى. 

هويدا محمد مصطفى