مجلة البعث الأسبوعية

ناغورني كاراباخ:.. وقف إطلاق النار انتصار كامل بالنسبة لروسيا!!

“البعث الأسبوعية”  تقارير

بعد وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان برعاية موسكو، ينتشر آلاف الجنود الروس في ناغورني كاراباخ لحفظ السلام. وذكرت تيغران يغافيان، عضو هيئة تحرير مجلة “الصراعات” الجيوسياسية والمتخصصة في القوقاز، أن الاتفاق يذكّر بدور روسيا الحاسم في ساحتها الخلفية القوقازية، مع تزايد النفوذ التركي في المنطقة.

وقد أشار رئيس الوزراء الأرميني إلى وقف “مؤلم للغاية” للأعمال العدائية، مشيراً إلى أنه أنقذ وجود جمهورية ناغورني كاراباخ من خلال قبول هذا الاتفاق. فهل كانت لديه مشاكل أخرى؟

من الواضح أن نيكول باشينيان وجد نفسه والسكين في حلقه لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي عكف بوتين على صياغته بشق الأنفس. هذه هزيمة عسكرية لأرمينيا، من حيث أنها لا تخسر فقط المقاطعات السبع المحيطة بمنطقة كاراباخ، بل وأيضاً جوهرة التاج: شوشي، العاصمة القديمة، وقبلة الثقافة الأرمنية.

لقد جرى النظر إلى هذا الخبر على أنه زلزال داخلي حقيقي، وهو ما يفسر أيضاً أعمال الشغب التي وقعت في العاصمة الأرمنية: اقتحام البرلمان، والاعتداء على رئيسه، ما يشي بإمكانية حدوث اضطرابات في الحياة السياسية الأرمينية، ويزيد من استقطاب الطبقة السياسية، بين مؤيدي النظام السابق الموالي لروسيا إلى حد ما، ومؤيدي نيكول باشينيان الذي تولى السلطة في أرمينيا كجزء من الثورة المخملية قبل عامين، فهل يمكن أن تحدث بالفعل بعض الانشقاقات، وخاصة انشقاق روبرت كوتشاريان، رئيس أرمينيا السابق، والذي تولى سابقاً رئاسة إقليم ناغورني كاراباخ، وهو قريب من فلاديمير بوتين، ولديه شبكات نفوذ كبيرة جداً في أرمينيا. وقد أعلن المتحدث باسم رئيس ناغورني كاراباخ، المقرب من كوتشاريان، بعد ظهر يوم الإثنين الماضي، فقدان شوشي، ما تسبب بمشكلة حقيقية في أرمينيا؛ وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بوجود توترات قوية بين الطبقة السياسية السابقة في أرمينيا وبين السياسين الجدد المدعومين من الغرب والمتهمين بعدم النضج السياسي.

 

الدور الروسي

يجب أن يكون مفهوماً أن الروس لم يثقوا أبداً بأن نيقولا باشينيان، ولم يطمئنوا إلى أنه ليست لديه أجندة جيوسياسية موالية للغرب على الرغم من كل المحاولات التي بذلها لتبديد هذا الانطباع. إلا أن بوتين كان يكن للسلطة الجديدة الكثير من الريبة ولم يبخل بالتعبير عن انزعاجه في كثير من الأحيان. وكما دلّلت الأسابيع الأولى من الصراع، لم يستجب الرئيس الروسي بالضرورة للمكالمات الهاتفية العاجلة من رئيس الوزراء الأرمني.

وعلى الرغم من التحليلات المتسرعة التي رافقت تطور الصراع، فإن توقيع اتفاق وقف النار بالنسبة لروسيا يعتبر انتصاراً كاملاً طالما أنه يبقي أرمينيا تحت العين الروسية بموجب اتفاق المساعدة العسكرية بين البلدين. علاوة على ذلك، لا تفقد موسكو نفوذها في أذربيجان، على الرغم من وجود سبب للاعتقاد بأن باكو قد حركت مؤشرها إلى تركيا. وحقيقة أن قوات عسكرية روسية قد انتشرت فيما تبقى من ناغورنو كاراباخ، وحول الممر الذي يربط أذربيجان بجيب ناختشيفان، وحول الممر الآخر الذي يربط أرمينيا بما تبقى من كاراباخ، كل هذا يدل على أن روسيا تحتفظ بنفوذ على كل من يريفان وباكو.

 

تركيا ولعبة جنوب القوقاز

شكل اتفاق وقف إطلاق النار خطوة مهمة بالنسبة لتركيا التي أشادت به باعتباره “انتصاراً عظيماً” لأذربيجان في مواجهة أرمينيا. وقد كان واضحاً أن دخول تركيا أردوغان إلى رقعة الشطرنج القوقازية ليس خطاً أحمر بالنسبة للروس، باستثناء وجود مرتزقة تكفيريين في المنطقة، ولربما يفسر ذلك عملية القصف الروسية التي استهدفت اجتماعاً متزعمي المجموعات الإرهابية في إدلب، في محاولة لتذكير تركيا مجدداً بقواعد اللعبة، حيث يتقاسم الروس والأتراك وضعية متشابهة من حيث التوتر في العلاقة مع الغرب وفرنسا والولايات المتحدة، ومحاولة التفاوض ثنائياً على تحالفات تكتيكية جديدة، كما في ليبيا، واليوم في ناغورني كاراباخ.

ويحرص الأتراك على الظهور بمظهر الأقوياء في الخروج من هذا الصراع، وذلك بالحصول على ممر يربط ناخشتيفان مع بقية أذربيجان. وفي هذا الصدد، يجري تعزيز المشروع الذي يدعمه حزب حزب “الحركة القومية” القومي المتطرف، حليف “حزب العدالة والتنمية” في السلطة، لأنه يوفر ما يسمونه استمرارية إقليمية أذرية، وهو ما يثر قلق أرمينيا، ويعتبر مثالاً على التوسع الإقليمي بقوة السلاح.