“المتجددة” طاقات لمشاريع واعدة جداً تنتظر.. فمن يبقيها كامنة؟!
قسيم دحدل
دعوة الدكتور يونس علي، المدير العام لمركز بحوث الطاقة الكهربائية الذي يتبع لوزارة الكهرباء، لرجال المال والأعمال للاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة، والتشديد على ضرورة هذه الاستثمارات، حالياً ومرحلياً ومستقبلاً، قد تكون مجرد دعوة عادية، وذلك حين يغمز مدير مركز البحوث لوجود شيء من العرقلة والتعطيل من قبل البعض الذي ستتأذى مصالحه وأعماله وعوائده المالية نتيجة لما سيُنهيه دخول مثل هذه الاستثمارات من تجارات وصفقات، لكون استدامتها مرتبطة ومتلازمة مع بقاء واستمرار وضع إنتاجنا من الطاقة الكهربائية عامة، كما هو عليه حالياً، وعلى التوازي تواضع الاستثمارات في الطاقات المتجددة خاصة.
وفعلاً تزداد الغرابة في عدم الإقبال على الاستثمار في الطاقات المتجددة، رغم توفر ووفرة البيئة الطاقية الشمسية والريحية على مدار أشهر طوال من العام، إضافة للعائد الاستثماري الجيد، وقلة الزمن لاستعادة رأس المال المستثمر، وفوق هذا توفر السوق لتسويق المنتج من الطاقات المتجددة، وكذلك الأسعار المشجعة.
عوامل ومقومات محفزة للاستثمار في المتجددة ستشكّل نقلة نوعية في هذا القطاع لناحية الإضافات الإنتاجية الهامة على المتاح من الإنتاج التقليدي لكهربائنا، لاسيما في ظل تراجع المُولَّد منها والقاصر عن تلبية الطلب المتزايد، ناهيكم عن أنها ستكون داعمة لمنظومتنا وشبكتنا الكهربائية لناحية موثوقيتها واستقرارها النسبي، ومع ذلك تبدو بصمات المعطلين والمعرقلين واضحة لهذا النوع من الاستثمار- المجدي اقتصادياً النظيف بيئياً- الملح في وجوب انطلاقته!.
نعمل عليه؟
علي أكد لـ “البعث” أن هناك موضوعاً يعمل المركز عليه وهو موضوع أسعار شراء الكهرباء من مشاريع الطاقات المتجددة، لاسيما الطاقة الكهروضوئية، حيث صدر في الشهر السابع 2020 القرار 1113 من رئاسة مجلس الوزراء، حُددت بموجبه الأسعار الجديدة لشراء الكهرباء من مشاريع الطاقات المتجددة، وهذا القرار هو تعديل لقرار سابق برقم 1763 لعام 2016.
مدير مركز البحوث فضّل التلميح إلى أن هناك عقبات مصطنعة تحول دون الانطلاق المتوقع للاستثمار في الطاقات المتجددة، فيلجأ إلى تأكيد المؤكد: “إن التوجه نحو الطاقات المتجددة أصبح توجهاً عالمياً واضح المعالم منذ تسعينيات القرن السابق، وقد ارتفعت وتيرة التوسع بتطبيقاتها في كثير من دول العالم، لاسيما مع بداية الألفية الثالثة”، وبشيء لا يخلو من الاستغراب المُضمّن غير الظاهر صراحة، نستشف وجود أمور غير مريحة تواجه الاستثمار والمستثمرين في المتجددة وتمنعهم من الإقدام، رغم المحفز من التسهيلات، ما يجعلنا نتساءل حول أهمية وجدوى الأسباب التي عدّدها المدير، وأمل منا التعاون في نشرها، والهدف من عرضها، رغم علم الكثيرين من مسؤولين وغير مسؤولين بها:
– ازدياد الاهتمام بموضوع الحفاظ على البيئة نظراً لاعتبار مصادر الطاقات المتجددة صديقة للبيئة، وتساهم في التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يسبب احتراقه في محطات توليد الكهرباء انبعاث الغازات الدفيئة الضارة، لاسيما غاز ثاني أوكسيد الكربون.
– انخفاض غير مسبوق ومستمر في أسعار تجهيزات وتقنيات الطاقات المتجددة، وخاصة اللواقط الكهروضوئية، على سبيل المثال في عام 2010، كان وسطي سعر “الواط بانيل” من اللواقط الكهروضوئية نحو 3 دولارات، في حين انخفض هذا السعر بشكل مضطرد وسريع، حيث وصل وسطي السعر إلى نحو 25 سنت دولار للواط بانيل عام 2020.
– ارتفاع أسعار النفط والغاز في بعض السنوات، حيث وصل سعر برميل النفط الخام إلى سعر قياسي نحو 120 دولاراً، ثم انخفض إلى حدود معينة واستقر لفترة معينة بحدود 70 دولاراً، والانخفاض الحاصل حالياً في سعره العالمي ربما هو حالة مؤقتة لها أسبابها المختلفة الجيوسياسية وغيرها، أي أن الهدف الرئيسي من استخدام الطاقات المتجددة في معظم دول العالم، وفقاً لعلي، كان لأسباب بيئية واقتصادية بالدرجة الأولى، أي لتوفير الوقود، ولتخفيض الاعتماد عليه وليس لتأمين الطلب على الكهرباء!.
أثر الإدارة بالعجز
وبتوضيح ملتبس في مراميه ورسائله يؤكد علي أن إدخال الطاقات المتجددة في أية منظومة كهربائية يتطلب أن تكون هذه المنظومة مستقرة وموثوقة وهذا ما لا تتميز به منظومتنا الكهربائية في الوقت الراهن لأسباب مختلفة معروفة خلّفتها الحرب الظالمة على سورية منذ عام 2011، وبسبب عدم وجود توازن ما بين الإنتاج من جهة والاستهلاك من جهة أخرى، ما يضطر وزارة الكهرباء إلى اتباع إدارة العجز عن طريق تطبيق برامج التقنين، وهذا بدوره يؤثر سلباً على أداء وإنتاجية منظومات الطاقة المتجددة المربوطة مع الشبكة العامة.
تشاركية رابح- رابح
وعليه فهو يرى أن إفساح المجال للقطاع الخاص في إقامة مشاريع الطاقات المتجددة، استناداً إلى القانون رقم 32 لعام 2010، يجب أن يتم وينطلق من منظور التشاركية بين القطاعين العام والخاص، حيث يُعد إنتاج الكهرباء- في نهاية المطاف- استثماراً جيداً ومفيداً من وجهة النظر الاقتصادية، باعتباره يوجه الرأسمال الوطني المتاح للاستثمار في الإنتاج، وليس في نشاطات ريعية أخرى مثل العقارات وغيرها، وعليه يجب أن تكون أسس هذه الشراكة على قاعدة رابح- رابح، أي أن الدولة تربح والمستثمر يربح.
ترجمة الربحية؟
بإسقاط هذه القاعدة على مشاريع الطاقات المتجددة بهدف بيع الكهرباء المنتجة إلى وزارة الكهرباء، بيّن علي أن ربح الوزارة يتجسد بأن يكون سعر شراء الكهرباء من مشاريع الطاقات المتجددة أقل من تكلفة إنتاجه بالطرق التقليدية، أما ربح المستثمر فيكون في حال كان سعر بيع الكهرباء أكبر من سعر تكلفته في مشروعه، وأن يكون هامش الربح بين سعر المبيع والتكلفة كافياً لجعل المشروع ذا ريعية ويحقق معايير الجدوى الاقتصادية من منظور المستثمر من خلال عدة مؤشرات كمعدل العائد الداخلي من المشروع، بحيث لا يقل عن أعلى نسبة فوائد إقراض متاحة في البلد، أو أن تكون فترة استرداد رأس المال ما بين 6 – 8 سنوات، لكون عمر مشاريع الطاقات المتجددة 25 سنة.
طمأنة وتشجيع؟
وزيادة في البيان على الجدوى الاستثمارية، يقول المدير مفسراً: تبلغ تكلفة الكيلوواط ساعي واصل على التوتر المنخفض وفق الأسعار الحالية للوقود نحو 107 ليرات، في حين تقدر كلفة الكيلواط ساعي المنتج من المشاريع الكهروضوئية- على سبيل المثال- بالأسعار الحالية بنحو 35 ليرة، وبالتالي السعر الحالي لشراء الكهرباء من اللواقط الكهروضوئية المحدد بقرار مجلس الوزراء الصادر برقم 1113 لعام 2020، يساوي (7 سنت يورو) للكيلوواط ساعي، أي ما يعادل نحو 103 ليرات وفق سعر صرف اليورو الرسمي الحالي الصادر عن مصرف سورية المركزي والذي يمكن أن يتغير مع تغير السياسة النقدية وتغير الوضع الاقتصادي، أي أن هذا السعر يحقق إلى حد كبير معادلة رابح- رابح المشار إليها أعلاه، مع العلم أن وزارة الكهرباء تلتزم بالحفاظ على سعر الشراء المذكور بعملة اليورو لمدة 25 سنة، على أن يتم التسديد بالليرة السورية حسب سعر الصرف الرسمي، وعليه، هذا الأمر- حسب علي- يعطي طمأنينة وتشجيعاً للمستثمرين، ويزيل إلى حد كبير مخاطر الاستثمار في هذا المجال التي يمكن أن تنجم عن تقلبات سعر الصرف خلال العمر الاستثماري للمشروع.
تشميلها بـ “دعم الفائدة”
من جهة أخرى، تم تشميل مشاريع الطاقات المتجددة ضمن برنامج دعم الفائدة، أي أن المستثمر الراغب بإقامة مشروع طاقة متجددة يمكنه الحصول على قرض من المصارف الحكومية المعنية بفوائد مخفضة بنحو 7% فقط، في حين يساهم برنامج دعم الفائدة بتغطية 5%، أي أن كلفة رأس المال التأسيسي في هذه الحالة ستكون منخفضة، وتزيد من الجدوى الاقتصادية للمشروع بالنسبة للمستثمر، لاسيما أن أسعار شراء الكهرباء المحددة بالقرار الجديد 1113 تم تحديدها على أساس أن قيمة العائد الداخلي للمشروع لا تقل عن 13%، أي أن قيمة العائد الداخلي للاستثمار- وفقاً لمدير المركز- أكبر بضعفي نسبة الفوائد التي يسددها المستثمر للمصرف المُقرض، علماً أنه في الحالات المتعارف عليها عالمياً يعتبر المشروع مجدياً اقتصادياً بالنسبة للمستثمر إذا كانت قيمة العائد الداخلي تساوي نسبة الفوائد المعتمدة في الإقراض، أو تزيد عنها بمعدل نقطة أو نقطتين، وبالتالي فإن قيمة العائد الداخلي للاستثمار في الطاقات المتجددة في سورية والمُقدر حالياً بنحو 13%، وإمكانية الاقتراض بنسبة 7%، هما مؤشران على أن هذه المشاريع جاذبة للاستثمار، وأن سعر شراء الكهرباء المحدد بالقرار 1113 هو سعر مشجع ومحفز.
ثلاثية معوقات؟
أما في الحديث عن المعوقات بشكل عام فلخصها الدكتور علي بثلاثة:
أولها:عدم الاستقرار في أسعار تجهيزات الطاقة المتجددة في السوق المحلية بسبب عدم الاستقرار النقدي، وبعض الصعوبات المتعلقة باستيراد هذه التجهيزات من الخارج بسبب العقوبات الاقتصادية وغيرها.
وثانيها: الفرق بين سعر الصرف الرسمي للعملات الصعبة، وأسعار الصرف المتداولة في السوق الموازية.
بينما أكد في ثالثها: الذهنية الخاطئة لبعض المستثمرين الذين ينظرون إلى مشاريع الطاقات المتجددة على أنها صفقة تجارية يُطمح إلى استعادة الرأسمال بأقل فترة ممكنة، في حين يعتبر الاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة من الاستثمارات التي تحتاج إلى مستثمرين شركاء استراتيجيين مع الدولة، وداعمين للاقتصاد الوطني، لكون العمر الاستثماري لهذه المشاريع لا يقل عن 25 سنة، ولكون الدولة تلتزم بشراء الكهرباء المُنتجة منها بأسعار محددة وواضحة ومشجعة على مدى عمر المشروع.
Qassim1965@gmail.com