تصحيح المسار
يُسجّل للحركة التصحيحية التي مضى على انطلاقتها نصف قرن من الزمن ، أنها صححت المسار الذي ساد المشهد السوري على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وهو مشهد مضطرب سياسياً تميز بالانقلابات العسكرية وبانعدام الأمن والاستقرار.
وتجسد تصحيح المسار في مجالين مفصليين، الأول سياسي، والثاني اقتصادي، تكرسا بوضوح بدستور 1973 .
وقد أنهى تصحيح المسار الأول حقبة الانقلابات العسكرية، والفوضى السياسية ، والاضطرابات الأمنية ، باعتماد نهج التعددية السياسية ، وكان حينذاك نهجاً غير مسبوق في أي بلد ، وقد ترسخ بنص دستوري .
وصحح المسار الثاني المشهد الاقتصادي في سورية من خلال اعتماد نهج التعددية الاقتصادية ، وهي صيغة سمحت ببناء سورية الحديثة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
واستشرفت الحركة التصحيحية منذ انطلاقتها أنها لايمكن تحويل سورية من ألعوبة بيد أعدائها إلى لاعب محوري في المنطقة إلا من خلال تحقيق الاستقرارين معاً : السياسي والاقتصادي.
وإذا كانت التعددية السياسية تكرست بصيغة “الجبهة الوطنية التقدمية” التي لاتزال فعّالة حتى اليوم ، فإن التعددية الاقتصادية استغرقت مدى زمنياً أطول لتحصد سورية ثمارها ، وقد تكرست بتكامل القطاعات الاقتصادية الثلاثة : العام والخاص والمشترك.
ولدى المراقب الخارجي التباس حول التعددية الاقتصادية في سورية ، بل هذا الالتباس سائد حتى بين محللين في الدول المجاورة ،فهم يعتقدون دون أي برهان ملموس ، أن القطاع العام هو القطاع الاقتصادي الوحيد المهيمن على الاقتصاد السوري حتى نهاية القرن العشرين على الأقل .. فهل هذا الانطباع صحيح؟!
لايعرف هؤلاء مثلاً أن القطاع الزراعي في سورية هو قطاع خاص بنسبة 99 % ، ويقتصر تدخل الدول في هذا القطاع على التخطيط والدعم !
كما أن الكثير من القطاعات تقتصر على القطاع الخاص كالسياحة ، أو نسبة مشاركة الخاص فيها أكبر من القطاع العام بما فيها الصناعة.
وإذا كانت بعض القطاعات الصناعية كالنسيج والاسمنت بقيت حكراً على القطاع العام حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي ، فإن القوانين التي صدرت في تسعينيات هذا القرن وفي مقدمتها قانون الإستثمار لعام 1991 .. أنهت احتكار القطاع العام ، ودشنت مرحلة سماها وزير الاقتصاد السابق حينها (خصخصة القطاعات) أي لم يعد من صناعة واحدة محظورة على القطاع الخاص.
أكثر من ذلك .. وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية كانوا ـ ولا يزالون ـ من المستقلين ، وكانوا أقرب إلى القطاع الخاص من العام ، بل إن بعضهم شغل مناصب في مؤسسات نقدية غربية!
حتى وزارة الصناعة التي تتبع لها غالبية شركات القطاع العام لم تكن دائماً حكراً على أحزاب الجبهة بل شغلها أيضاً شخصيات أتت من القطاع الخاص أومن منظمات إقليمية ودولية!
كما إن منصب النائب الاقتصادي لرئيس الحكومة كان أيضا من نصيب المستقلين أو من القطاع الخاص ، والإستثناءات محدودة جدا وتقتصر على عقد السبعينات فقط!
ونستنتج من كل ذلك إن نهج التعددية السياسية والاقتصادية الذي آمنت به الحركة التصحيحية لم يكن شعاراً فقط ، وإنما واقع فعلي لايزال مطبقاً وبنجاح حتى اليوم!
ومثلما نجحت الحركة التصحيحية بتصحيح مسارنا السياسي والاقتصادي في عام 1970 فإننا بعد انتصارنا في الحرب التي تعرضنا لها منذ عام2011 نحتاج إلى تصحيح المسار لبناء سورية الجديدة في الأمدين القريب والبعيد.
علي عبود