فرنسا ترسم ملامح العلاقات الأوروبية الأمريكية لمرحلة ما بعد ترامب
استبق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لباريس بتصريحات دعا فيها إلى تصحيح مسار العلاقات الدولية وإعادة التوازن لهذه العلاقات، بعد 4 سنوات من الخلافات والصدام مع ترامب.
ودعا ماكرون الاثنين إلى “تحديث” الهيئات الدولية، معتبراً أن “مجلس الأمن الدولي لم يعد ينتج حلولاً مفيدة اليوم”، في تصريح يذّكر أيضاً بآخر انتقد فيه حلف شمال الأطلسي (الناتو) اعتبر فيه أنه بات في حكم الميت سريرياً، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حينها.
وتأتي تصريحات الرئيس الفرنسي بينما تستعد الولايات المتحدة لطي صفحة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي يفترض أن يغادر البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2021، مخلّفاً شروخاً عميقة في العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين في أكثر من ملف. ويتطلّع الأوروبيون لساكن البيت الأبيض الجديد جو بايدن لتصحيح مسار العلاقات الدولية وترميم الشروخ التي أحدثها سلفه ترامب.
ويجد ماكرون نفسه في موقف دقيق، إذ يستقبل بومبيو، الذي لم يعترف بعد بهزيمة دونالد ترامب، فيما تطلّع فرنسا بات إلى علاقتها مع الرئيس الأميركي المنتخب.
ولم تشهد العلاقات الفرنسية الأميركية خلال حكم الرئيس الأميركي السابق الديمقراطي باراك أوباما، وكان بايدن نائبه، توتراً يذكر على خلاف الحال مع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وفي مقابلة طويلة أجراها معه موقع “لو غران كونتينان”، أشار ماكرون إلى أنه يجب “أخذ العلم بأن إطارات التعاون متعدّد الأطراف باتت اليوم ضعيفة، لأنها معرقلة”، مضيفاً: “أنا مضطر للتنويه بأن مجلس الأمن الدولي لم يعد ينتج حلولاً مفيدة اليوم: نحن جميعاً نتحمّل مسؤولية مشتركة عندما يصبح البعض رهائن أزمات التعددية، مثل منظمة الصحة العالمية”.
وباستثناء مؤتمر عبر الفيديو في نيسان، التزم مجلس الأمن، الذي يضمّ كدول دائمة العضوية الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا، الصمت حيال أزمة كوفيد-19، وهي أسوأ أزمة صحية شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وعلى خطّ مواز، زعم ترامب أن منظمة الصحة العالمية قريبة جداً من الصين، وبدأت إدارته الإجراءات لسحب الولايات المتحدة من المنظمة الأممية.
وأمام هذا الواقع، اعتبر ماكرون أن “المسار” الصحيح في الوقت الحالي هو “تعزيز وبناء أوروبا من الناحية السياسية” لأنه “إذا أردنا أن يتمّ خلق تعاون، يجب أن يتمكن أقطاب متوازنون من بناء هذا التعاون حول تعددية جديدة، ما يعني إقامة حوار بين القوى المختلفة لاتخاذ القرارات معاً”.
وأكد الرئيس الفرنسي أيضاً أنه “يعارض بشدة” مقالا كتبته وزيرة الدفاع الألمانية آنيغريت كرامب-كارنباور، ونشره موقع “بوليتيكو يوروب”، وجاء فيه أن “أوهام الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي يجب أن تنتهي: لن يتمكّن الأوروبيون من لعب دور أميركا الحاسم كمزوّد للأمن”، وقال: “أعتقد أنه تفسير خاطئ للتاريخ. لحسن الحظّ أن المستشارة أنغيلا ميركل ليست من هذا الرأي، إذا فهمت الأمور بشكل جيد”، وأضاف: أن “الولايات المتحدة لن تحترمنا كحلفاء لها إلا إذا كنّا جادين مع أنفسنا وإذا كنا سياديين في دفاعنا الخاص”.
وتابع: “أعتقد إذن أن تغيير الإدارة الأميركية هو فرصة لمواصلة بطريقة سلمية تماماً وهادئة، ما يجب أن يفهمه الحلفاء فيما بينهم: نحن بحاجة إلى مواصلة بناء استقلاليتنا لأنفسنا، كما تفعل الولايات المتحدة لنفسها، وكما تفعل الصين لنفسها”.
وسبقت تصريحات ماكرون وصول وزير الخارجية الأميركي لباريس، فيما تبدو أنها رسالة لإدارة ترامب قبل أن تسلم السلطة للديمقراطيين. ولم يسبق لماكرون أن تحدّث بهذه اللهجة وبهذه الصراحة كأنه بدأ يرسم ملامح العلاقات مع الولايات المتحدة برئاسة بايدن.
ويطمح ماكرون منذ توليه الرئاسة في 14 أيار لبناء وقيادة أوروبا قوية مستقلة في أمنها وقادرة على إحداث توازن في العلاقات مع الحليف والشريك الأميركي.
وبرزت خلال فترة الصدام بين ترامب والدول الأوروبية، العضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فكرة إنشاء جيش أوروبي رديف لحلف الناتو، وذلك على خلفية مطالبة واشنطن برفع حصص المساهمات المالية الأوروبية في نفقات الحلف.
وأشارت فرنسا اليوم الاثنين إلى أنها وافقت على استقبال بومبيو بطلب منه و”في شفافية كاملة مع فريق الرئيس المنتخب جو بايدن”، في وقت تدعو فيه الحكومة الفرنسية إلى إعادة بناء العلاقة عبر ضفتي الأطلسي بمناسبة تبديل الإدارة الأميركية.
وكان ماكرون من أوائل قادة العالم الذين سارعوا إلى تهنئة بايدن بفوزه في الانتخابات الرئاسية، ثم تحدث معه عبر الهاتف، في وقت لم يقر فيه الرئيس الجمهوري بهزيمته بعد أكثر من أسبوع على إعلان النتائج.
ورفض بومبيو نفسه، قبل انطلاق جولته إلى أوروبا والشرق الأوسط، وباريس أولى محطاتها، الاعتراف بفوز بايدن. وقال الأسبوع الماضي: “سيكون هناك انتقال سلس نحو إدارة ثانية لترامب”، منتقداً القادة الأجانب الذين أجروا اتصالات مع بايدن.
وبالتالي قد يخيّم قدر من التوتر على اللقاء في هذه الزيارة الأولى وكذلك الأخيرة على الأرجح لبومبيو منفرداً بدون مرافقة ترامب إلى باريس. وبمعزل عن هذا الوضع الملتبس، فإن المسائل الخلافية كثيرة بين البلدين.
وقد حذر لودريان من أنه سيعارض أمام بومبيو تسريع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق، وهو ما وعد ترامب بإنجازه قبل انتهاء ولايته في 20 كانون الثاني.
وسيتم للمرة الأخيرة البحث في الملف الإيراني، الذي ساهم إلى جانب المناخ والتجارة، في حصول قطيعة إلى حد ما بين واشنطن والقارة العجوز منذ أربع سنوات.
وكان ترامب قد أعلن في أيار 2018 انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، الذي أُبرم قبل ثلاث سنوات، فيما يسعى الأوروبيون لإنقاذ هذا الاتفاق، أقله حتى انتقال السلطة إلى بايدن الذي وعد بالعودة إلى الدبلوماسية.
وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن المحادثات ستتناول أيضاً “الوحدة بين ضفتي الأطلسي”، التي كثيراً ما طعن بها ترامب، ومكافحة الإرهاب.
ودعت فرنسا وألمانيا الاثنين الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى تعزيز “الوحدة عبر الأطلسي”، بما في ذلك حول البرنامج النووي الإيراني وضد تركيا، التي هي أيضاً عضو في الحلف الأطلسي.
وذكر وزيرا الخارجية الألماني هيكو ماس والفرنسي جان إيف لودريان في مقال نشرته صحيفتا لوموند الفرنسية وواشنطن بوست الأميركية وأسبوعية دي تسايت الألمانية: “على أوروبا والولايات المتحدة أن تبتكرا معاً معطى جديداً عبر الأطلسي”، وأشارا إلى أن “هناك أمور كثيرة يجب إصلاحها”، بدون الإشارة إلى سياسة ترامب، الذي عمل على تقويض عدد من المنظمات والاتفاقيات الدولية.
وشددت باريس وبرلين كذلك على ضرورة وجود وجهات نظر موحّدة تجاه النظام التركي، الحليف الذي لا يمكن توقع سلوكياته بشكل متزايد، إن لم يكن معادياً تجاه بعض الشركاء، مثل فرنسا، في الحلف الأطلسي.
وأوضح الوزيران “سيتعين علينا تحديد نهج مشترك لمواجهة سلوك تركيا الذي يطرح مشاكل كبيرة في شرق البحر المتوسط وأماكن أخرى”.