ثقافةصحيفة البعث

أدباء إدلب يحتفون بذكرى الحركة التصحيحية

“صوت إدلب من دمشق”، هكذا بدأ الإعلامي محمد خالد الخضر مهرجان أدباء إدلب الثاني بمناسبة إحياء ذكرى الحركة التصحيحيّة في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، إذ هيمنت على أجوائه روح تآلفية بين الأدباء والأهالي والضيوف، متمنين زوال الغيمة السوداء والعودة إلى إدلب في القريب العاجل. وقد نوّع المشاركون بقراءاتهم بين القصة والشعر والنصوص النثرية، اعتمد بعضها على الرمزية والاقتباس وأبعاد الدلالة، وتخلّلتها غنائيات موسيقية.

في هذا المهرجان رحّب الخضر بأدباء إدلب والضيوف بمقطوعة غنائية موسيقية كلمات نبوغ أسعد بعنوان “عائدون”، لحنها على العود العازف زياد قطان وغنّاها بصوته بمرافقة الرق، فتصاعدت ألحانها على المقام الأساسي الكرد وتخلّلتها فواصل، وكان مطلعها: “قلبي لإدلب عند الصبح يبتسم/ إذا تذكر مهما بالغ الألم”

وتبوح بأوجاع النوى والإصرار على العودة بما يشبه الوعد بروح القسم: غداً سنرجع والتاريخ يرصدنا/ هذا الطريق أمام العين يرتسم.

الصراع الدرامي بالقصة

من القصيدة المغنّاة إلى المشهد القصصي مع الأديب كفاح رزوق الذي استلهم وقائع قصته من الأحداث الحقيقيّة التي عاشها مع بعض العائلات أثناء حصار الحي الذي يقطنونه، والخوف لم يكن من الرصاص فقط، وإنما من الاعتداء على النساء وخطفهن، فشدّ جمهور المهرجان إلى الصراع الدرامي والوصف السينمائي المرعب في قصته.

وتعدّ قصة رزوق الأقرب بالفنية المباشرة من الواقع الذي عاشه محاصرو إدلب، إذ لجأت القاصة مريم العلي إلى الرمزية وتقمّص شخصية المارد الذي كان قزماً في قصتها “المارد والمدينة”، مبتدئة بلسان السارد وتساؤلاته: “متى كبر هذا القزم وأصبح مارداً رهيباً يسيطر على كل شيء”، ثم تدخل بصميم الحدث والحصار من خلال شخصية البطل وحواره مع زوجته، لتعود لعبة السرد: “تجولَ في المدينة الشاحبة التي كانت يوماً ما صرحاً عالياً في التاريخ”، وتفصح عن أهوال ما يحمله المارد بتورية عن “داعش”: “قهقه المارد ساخراً منه وكشف له عن الجثث المتفسخة التي يحملها وراء ظهره ويلقي بها عند أطراف المدينة، لتقتل بطاعونها كلّ من تسوّل له نفسه بالدخول إليها”، فرسمت بالكلمات المبطنة الفظائع التي ارتكبها إرهابيو “داعش”.

ونقرأ برمزية المواجهة والإقدام في مجموعة نصوص نثرية قرأها حسن الراعي، منها “آياتها” برمزية المرأة إلى المدينة المقاومة:

إلى امرأة في أيامي الفرح/ تسرح شعر المدى

ثم يستحضر قصة أيوب التي كانت دافعاً له لمقارعة الأعداء:

يظن أيوب أني صبرتُ على المحنة/ أريد بحراً واضحاً في دمي

أما الشاعرة منار القطيني فلجأت إلى الطبيعة واستلهمت من المطر والبرق والرعد معاني وظّفتها في قصيدتها “العصافير وأنا”، معتمدة على أنسنة العصافير لتبوح بحلمها بحياة هادئة آمنة بعيداً عن الدم والخراب، فمزجت برقة بين النثر والتفعيلة:

في جعبتي عصافير/ تشدو طويلاً.. تطير/ تمضي إلى أفق لا يرى/ ترتجف بسعادة/ بعيداً بعيداً

أما الشاعرة شادية الحمو فقد بدأت قصيدتها التي تختزل بها آثار الحرب الإرهابية على قرى سورية بالتحديد:

القلب يخشع والأعصاب تضطرب/ والعين تدمع والخلان تنتحب

ثم تطرّقت إلى البكاء على الشام وعلى حلب، مستحضرة تاريخ سورية القديم وحروبها مع العجم بمقاربة مع الحاضر الذي استلهمت منه أيضاً تشتّت الأبناء ومعاناة الحصار “ما في الحوانيت لا خبز ولا عنب” لتصل في نهاية القصيدة إلى أطلال بلدتها:

ورحت أبحث في أطلال بلدتنا/ فما وجدت سوى الجدران تنقلب

لتقفل بالدعاء على الظالم:

ليمحق الله إرهاباً يعيث بها/ جراه ربي في عينيه ينضرب

وحلّ العميد باسل أحمد علي ضيفاً على المهرجان قادماً من إدلب التي يتابع على أرضها تنفيذ مهمّته الوطنية، فغيّر من أجواء المهرجان بصوته الحماسي وألهب القلوب الملتاعة للقاء إدلب الخضراء بقراءته مجموعة نصوص تميّزت بالاقتباس من القرآن الكريم مبتدئاً بالبسملة، ثم الاقتباس بذكر “يأجوج ومأجوج” القبائل الظالمة الواردة في سورة الكهف بقصيدته:

حملت السيف/ لا للسيف/ بل من أجل سورية/ فمن يأجوج صهيون/ إلى مأجوج تركي..

إلا أن القصيدة الأساسية كانت بوصفه رجال الجيش العربي السوري بتضمين الاقتباس من سورة الروم بقوله تعالى: “بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم”:

ينصر من يشاء، رجال للهدى/ قدموا وجاؤوا/ رجال الجيش بالميدان سيف/ على الأعداء سيفهم

وعدّد خصالهم بالوفاء والإخلاص والتضحية والفداء والأمان:

فمن صلواتهم قُبل الدعاء/ هم البشرى لمن ضلوا السبيلا

حلم العودة

وكان لأمين فرع الحزب في إدلب أسامة فضل مشاركة بإلقاء كلمة ارتجالية، متمنياً أن يكون المهرجان القادم في المركز الثقافي في إدلب بعودة الأهالي إلى مدينتهم ومنازلهم.

وكما بدأ المهرجان بفقرة غنائية اختُتم بغناء زياد القطان وعزفه على العود بمرافقة الرق أغنية من النمط الشعبي “يلا ارحل يا خوان” بُنيت على لحن شعبي تخلّلته ارتجالات.

وعلى هامش المهرجان أوضح زياد قطان في حديثه لـ”البعث” أنه اعتمد في المقطوعة الأولى على مقام كرد على طبقة الري، ثم انتقل بالكوبل الثاني على مقام الرصد، وفي القسم الثاني سيكا على السي ويعود بالقفلة إلى الكرد على طبقة الري، بينما في المقطوعة الختامية اعتمد على اللحن الشعبي الراقص بنمط سريع من مقام الكرد تخلّلته بعض الارتجالات ونغمات مقام العجم.

ملده شويكاني