دراساتصحيفة البعث

“ائتلاف المحبطين” يُخرج ترامب من البيت الأبيض

ريا خوري

بعد ثمانية أشهر ساخنة، وصل المرشّح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض. لقد كانت هذه الانتخابات من أغرب الانتخابات الرئاسية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. في السابق كان اختيار الناخبين يستند إلى البرنامج الانتخابي لكل مرشّح، لكن السباق في انتخابات هذا العام دار حول شخصية المرشح، وليس حول قضايا حقيقيّة بشكل مباشر!.

ومنذ بداية الحملات الانتخابية، كان المرشح، سواء في النقاشات والمناظرات والتصريحات العلنية، يُضمّن خطابه الانتخابي هجوماً على شخصية المرشح الآخر، ومحاولة الانتقاص منه وتشويهه، وإذا تحدث أيّ منهما عن السياسات، فإنها كانت تأتي في سياق هذا التناحر، وبشكل عرضي.

من المعلوم أن الانتخابات الرئاسية يدخلها متنافسان، واحد من الحزب الديمقراطي والآخر من الحزب الجمهوري، وأياً كانت الاختلافات بينهما في الرؤية السياسيّة وطريقة تنفيذ المخطّطات والمهمات الداخلية والخارجية، يظل كلاهما يحظى برضى وقبول ما يُعرف في الولايات المتحدة بالمؤسسة (Establishment)، أي النظام السياسي والدستور الأمريكي، وهو تعبير يتمّ اتخاذه في حالة اختبار الرئيس، أي أن المؤسسة في حالة تنافس انتخابي رئاسي، وهو تعبير حقيقي عن دولة الولايات المتحدة العميقة (American Deep) والتي تتشكّل من قوى ضخمة وهائلة من النفوذ يجمعها تنسيق وتحالف، وليس بالضرورة أن يكون أفرادها ورموزها وشخصياتها ظاهرين في مقدمة المشهد. لكن النزاع والتنافس خرج هذه المرة عن سيطرة مؤسسة الدولة ذات الخصوصية منذ ترشّح الرئيس السابق دونالد ترامب واضطرار الحزب الجمهوري للوقوف إلى جانبه ودعمه. وعلى الرغم من أن ترامب لا يمثل الجمهوريين، لكن عندما شاهدوا بأعينهم قفزاته في السباق الانتخابي، واتساع شعبيته، وجد الحزب أن دونالد ترامب يمكن أن يضمن للجمهوريين الاستحواذ على البيت الأبيض وينفّذ أجندة الكارتيلات الكبرى ومجمّعات الصناعات الحربية، والشركات الضخمة العابرة للقارات والجنسيات والقوميات، وهذا ما حدث.

أما في هذه الانتخابات فقد جرى التنافس، ومن ثم التصويت في ظروف افتقدت هذه المرة فيها الولايات المتحدة إلى ما يُسمّى التوافق، سواء كان داخل النخبة الأمريكية أو في صفوف الرأي العام. في السابق كان لما يُسمّى التوافق مساران: أولهما أن المواطن الأمريكي من الحزبين الجمهوري أم الديمقراطي كان يتقبل المرشح الفائز، أملاً في أن ينفّذ ما وعد به من إنجاز العديد من القضايا التي تخصّ المواطنين وتهتمّ بهم. والمسار الثاني يظهر أن التوافق سواء كان بين المواطن العادي أو بين النخبة الأمريكية، كان هو السند والداعم للرئيس الساكن في البيت الأبيض ويدير شؤون الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً، ودعم سياسته وخاصة في مجال السياسة الخارجية.

الآن حصلت الانتخابات بينما الشعب الأمريكي منقسم على نفسه، لقد كان الاختيار بين المرشحين مقيّداً من وجهة نظر المواطن الناخب، لأن أياً منهما لا يمثّل الحلم الأمريكي. إضافة إلى ما سبق، سادت حالة غضب جنونية على المستويين، مستوى الحزب الديمقراطي، ومستوى الحزب الجمهوري، لأسباب تراكمت خلال السنوات العشر الماضية، ومنها ما صار يُسمّى بتعبير (Inequality) أي (عدم المساواة)، ومن أبرز مظاهره اتساع الفجوة بين الأكثر ثراءً وبين الطبقتين الفقيرة والوسطى، الأمر الذي أدّى إلى تدهور أوضاع وحياة كثير من المواطنين الأمريكيين الذين يُقدّر عددهم بأربعين مليون مواطن أمريكي.

هذا التيار الفقير هو الذي كان المحلّلون الأمريكيون الكبار يصفونه بـ”ائتلاف الغاضبين والمحبطين”، والذي جاء معبِّراً عن تيارات وموجات تمرّد في المجتمع الأمريكي. هذا التمرد لم يكن وليد هذه اللحظة، لكنه بدأ قبل ثلاثين عاماً، متشكلاً بشكل بطيء على صورة تململ، لكنه بلا حراك أو ثورة.

في هذه الأجواء وعلى الرغم من الأسباب العديدة التي جعلت البعض يتوقّع فوز دونالد ترامب، إلا أن تداعيات الأحداث المتوالية لم تكن لمصلحته، على الأقل في الشهور الثمانية الأخيرة، وكان أبرزها تمرّد “ائتلاف المحبطين”، وفشله في معالجة جائحة كوفيد 19 (كورونا)، إضافةً إلى ما أعلنته استطلاعات الرأي العام عن مخاوف من تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، وضعف علاقاتها بحلفائها، وهو ما كان ترامب مسؤولاً عنه.