صراخ الذكريات!
“نأكلُ مما نزرع ونلبسُ مما نصنع”، تحت هذا العنوان كانت الإنجازات والصروح في سورية تشقّ طريقها نحو ساحة التنفيذ في شتى المجالات، وتحديداً في قطاع الزراعة الذي كان كما هو اليوم في مقدّمة الأولويات للنهوض به وتطويره، بما حوّل بلدنا خلال فترة قصيرة إلى دولة تثير الإعجاب بتحقيق الاكتفاء الزراعي والانتقال إلى تصدير الفائض من المحاصيل إلى جميع أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه لم يتمّ التساهل في قضية الأمن الغذائي والحفاظ على السلّة الغذائية الأساسية من الحبوب التي شكّلت أحد أهم مقومات الصمود في جميع المعارك والمواجهات. والحال نفسها في مجال الصناعة الوطنية التي من الصعب حصر إنجازات الحركة التصحيحية فيها، وهناك الكثير من الشواهد التي تثبت مدى التقدّم الذي تحقّق على مدار العقود الماضية من عمر التصحيح.
واليوم بعدما أنفق الذين ينخرطون في الحرب على بلدنا مئات المليارات من الدولارات على القتل والتدمير عبر التنظيمات الإرهابية بمختلف تسمياتها، إلى جانب الحصار الاقتصادي الذي يلاحق لقمة عيش المواطن السوري ورغيف خبزه، بات الحديث عن إنجازات التصحيح يأخذ صيغة الذكريات الجميلة التي مازلنا نعيش في نعيمها، وهنا نؤكد أن ما يحصل الآن هو امتحان لمؤسّساتنا التي تعمل لتقدم الخدمات المختلفة للمواطن بأبسط الإجراءات، ومع الكثير من التسهيلات التي من شأنها فتح الأبواب أمامه فلا يمكن إنكار أنه رغم كل ما يحصل فإن منظومة العمل لاتزال ضمن الحاضنة المؤسساتية.
والحقيقة الأخرى التي لا يمكن لأحد تجاهلها، أنه رغم الحرب مازال الاقتصاد السوري متوازناً وقوياً حسب كل التجارب والنظريات الاقتصادية الخاصة باقتصاد الحروب، ومحور قوة الاقتصاد الوطني أنه مازال يفي بالتزاماته تجاه أبناء الوطن، وإن كان ذلك بالحدود الدنيا، فلا تزال الحكومة تصرف كتلة رواتب الموظفين إضافة إلى تقديمها الخدمات الأساسية كالتعليم والتربية والعلاج مجاناً، وعلى الرغم من الحصار تؤمّن متطلبات حوامل الطاقة والمشتقات النفطية للمواطنين.
بالمحصلة الظروف الحالية تتطلّب انسجاماً وتعاوناً بين المسؤول والمواطن، وتقريب المسافات بين رأي الشارع وموقفه من الفوضى الحاصلة في مختلف الأسواق وبين الخطط الحكومية الورقية وإجراءاتها التنفيذية الخارجة عن سيطرة الرقابة بكل أنواعها، ومن الضروري الآن المكاشفة المسؤولة وعدم تكرار تجارب الصدمات المعيشية المفاجئة، وفتح أبواب الحوار المباشر مع الناس والاقتراب من أحوالهم التي باتت في حالة حرجة مع ترك “الحبل على الغارب” كما يقال، وانكفاء صاحب القرار في مكتبه والتعامل مع الوقائع بطريقة إعلامية استعراضية غير مجدية على صعيد الواقع والحلول وبشكل يعيد الجميع إلى الزمن الجميل وذكريات التصحيح التي تستصرخ أصحاب الضمائر لإعادتها إلى يوميات الناس.. فهل من مجيب؟.
بشير فرزان