أمريكا بحاجة سورية
علي اليوسف
يتفاعلُ العالم مع نتائج الانتخابات الأمريكية، فهناك احتفالات في أماكن مثل أوروبا، وهناك ترقّب ومخاوف أكثر في مناطق مثل الشرق الأوسط، هذه المخاوف ليست ناتجة عن تجارب دول الشرق الأوسط مع جو بايدن فقط، ولكن لأن العديد من الدول في المنطقة قلقة بشأن التغييرات المفاجئة المحتملة في السياسة الخارجية القادمة للولايات المتحدة. وبالنظر إلى الدول المحورية في الشرق الأوسط، فلا شك أن هناك مكاناً واحداً تحتاجه واشنطن لتصحيح سياستها الخارجية، هو سورية.
على مدى عشر سنوات، عانت سورية من حرب إرهابية كونية، وشهدت ولادة ووفاة ما يُسمّى “داعش”، وحالياً تخوضُ قتالاً لتحرير محافظة إدلب التي احتلتها قوات النظام التركي بدعم وتحريض أمريكي. أما وقد هُزم ترامب، فلا يمكن للولايات المتحدة أن تضع غطاءً على صندوق “باندورا” في سورية، وخاصةً بعد أن دعمت الإرهابيين في الماضي، وقامت بشنّ غارات جوية بشكل مباشر أو عن طريق أدواتها –الكيان الصهيوني- على مواقع للجيش العربي السوري دعماً لإرهابيي القاعدة.
خلال العقد الماضي تمّ رسم سياسة الولايات المتحدة الخارجية عبر إدارتين رافقهما سلسلة من الخيارات السيئة، لذلك المطلوب من الذي سيستلم حقيبة الخارجية العام القادم أن ينقذ ما يمكن إنقاذه. ولعلّ أحد الأماكن الأشدّ إلحاحاً لتحسين الصورة للسمعة الخارجية الأمريكية هي الجزيرة السورية التي احتلتها القوات الأمريكية، وأسّست وعملت مع أدواتها على الأرض، بحجة محاربة “داعش”، على سرقة خيرات المنطقة، والسؤال: في أعقاب تلك الهزيمة المزعومة، سعت إدارة ترامب للوفاء بوعدها بإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن. والسؤال اليوم: هل ستنسحبُ الولايات المتحدة بالكامل من المنطقة؟.
قبل خوضه الانتخابات، وصف دونالد ترامب هذه الحروب بأنها قتال في “أماكن بعيدة” لم يسمع بها الأمريكيون من قبل. قد يكون الأمر كذلك، لكن دور أمريكا في العالم منذ عهد جيفرسون وآدامز اشتمل على القتال في أماكن بعيدة لحماية ما يُسمّى المصالح الأمريكية. لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة جديدة تجاه سورية، لأن الاستمرارية بين الإدارات السابقة والقادمة ستكون إحدى المشكلات المعقّدة، وخاصةً إدارة ترامب التي عانت الكثير الكثير من التقلّبات في سورية، ومنها قولها إنها ستهزم “داعش”، ثم تعهّدت بالانسحاب في عام 2018، ثم البقاء، ثم الالتزام بالمغادرة مرة أخرى، ثم القول إنها ستحمي النفط، وبالطبع هذا كلّه قوّض دورها في العالم.
لقد أخطأت أمريكا في سورية، فهي ساعدت في احتلال جزء من شرق سورية، وتحالفت مع ما يُسمّى “قوات سورية الديمقراطية”، وبالطبع هذه ليست “حرباً لا نهاية لها”، ولكنها مثال فاشل لسياسة الولايات المتحدة لتحقيق قدر هائل من النفوذ.
وعليه من الضروري أن تغادر الولايات المتحدة سورية، وأن توقف العمل مع عملائها على الأرض، فالرحيل الآن لا يعني على الإطلاق إذلال الولايات المتحدة، كما تروّج له وسائل الإعلام الأمريكية، وأن إيران وروسيا ليستا منافستين لها. لذلك، يتطلّب أن تعكس سياسة الولايات المتحدة الجديدة هذا الأمر، بل ويجب أن تستفيد الإدارة التالية من أخطاء الإدارة الحالية. لأنهم بلا شك سيكتشفون أن الوجود في الجزيرة السورية لم يحقّق الاستقرار الذي تدّعي الإدارة الأمريكية أنها موجودة في المنطقة من أجل تحقيقه، كما أن كذبة نهوض “داعش” مرة أخرى ستكون حجة سخيفة للإدارة الجديدة!. حتى تهديد النظام التركي بغزو الجزيرة السورية بحجة أن عملاء واشنطن يهدّدون أمنها القومي هي الأخرى، باتت كذبة فاقعة لأن العالم بأسره اكتشف اللعبة الأمريكية- التركية، حين سمحت الإدارة الأمريكية بدخول قوات النظام التركي إلى المنطقة. من هنا يتعيّن على واشنطن أن توضّح أن تهديدات أنقرة ليست مفيدة ولا تتماشى مع كونها حليفة في الناتو.
لقد نجحت الولايات المتحدة في جعل الجزيرة السورية أقلّ استقراراً، كما تفعل قوات النظام التركي في المناطق التي تحتلها في شمال سورية. وهذا دليل كافٍ على أن دور واشنطن ليس دوراً إيجابياً، وقد ترغب الإدارة الجديدة في تغيير السياسات التي كانت متّبعة في عهد ترامب، لهذا من المهمّ إرسال رسالة مفادها أن الدور الأمريكي القادم لن يكون تهديداً، وستكون ترجمته المباشرة من خلال وقف تقلبات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وخاصة تجاه سورية.