السّيّد الجّديد
أمين اسماعيل حربا
دون أيّة مساعدة من أحد يقف على أكتافنا ليراقبنا ويسجّل أفعالنا ليشهد علينا أمامه أصبح غوغل من خلال التكنولوجيا المتطوّرة التي يمتلكها ويتحكّم بها يعلم خافية الأعين وما تخفي الصدور فهو يقوم بتسجيل أصواتنا وحفظ صورنا لديه بكافّة الأوضاع وبكلّ الأوقات ويأخذ بصمات أعيننا وأصابعنا من خلال الكاميرات المتعدّدة والمجسّات الحراريّة وأجهزة التّسجيل المزوّدة بها هواتفنا الذكيّة.
لقد أصبحنا عراة تماماً حتّى من جلودنا أمامه وهو يتربّع على عرشه مبتسماً ساخراُ من سخف معظمنا.. أصبح يرانا ونحن نخون بعضنا البعض بالواقع الافتراضي والكثير منّا ينقل ما يحصل افتراضيّاً إلى جلسات خاصّة حقيقيّة يمارس بها خياناته لتصبح أدلُة مسجّلة لدى غوغل صوتاً وصورة.. يكشفنا حين نضع صوراً شخصيّة مزيّفة ليست لنا كي نخفي تشوّهاتنا الجسديّة والأخلاقيّة ولتكون فخاً للصيد بالماء العكر.. كيف نتحدّث ونتحدّث إلى مالا نهاية كأنّنا من كبار الفلاسفة والمفكرين دون أن نكلّف أنفسنا عناء الاطّلاع على ما يكتبه غيرنا ونعتبر كلّ ما يكتبه الآخر رديئاً وتافهاً وسطحيّاً.
يرانا كيف نرى منشورات بعضنا فنرمق المنشور الجيد بنظرة حسد ونقرأه بدقّة علّنا نلاحظ به عيباً ما لننتقده، فإن لم نجد به خللاً ندفعه للخلف دون اكتراث ونقوم بالتّفاعل مع المنشور الرديء بكل حميميّة ونضع تعقيبنا عليه ونحن نبتسم ساخرين من سخف صاحبه.
يكشف أفكارنا الحقيقيّة عندما نكتب منشوراً ما ثم نضطرّ لتعديله عدة مرّات حتى يصبح مناسباً للرقيب.
لقد أصبح غوغل يرانا كيف نجاهر بإيماننا ووطنيّتنا وأخلاقنا على الملأ في صفحات التواصل بينما نكون خفية على عكس ما نجاهر به أليس غوغل رفيقنا الحميم والدائم والّذي نتمسك به حتّى بخلواتنا.. نعم لقد أصبحنا أسرى وعراة تماماً أمام سيّد العصر.