سياسات اقتصادية خاطئة سبقت الحصار في إنهاك الإنتاج.. هل ينصت أصحاب القرار؟
دمشق – ريم ربيع
لم يقتصر الحصار الاقتصادي المفروض على سورية على مؤسسة أو شخصية أو قطاع معين، بل باتت انعكاساته واضحة في كل منزل وعلى كل فرد بغض النظر عن عمره أو مجال عمله، كما أفرز أزمات متلاحقة وبمستويات مختلفة لم تفلح أي من الجهات المعنية في احتوائها ومعالجتها بالمستوى المطلوب، فحتى اليوم تفتقر أغلب المؤسسات إلى التوصيف الدقيق للوضع الراهن بكل مشكلاته، وقد يعزى جزء من هذا التقصير إلى غياب المؤسسات البحثية المختصة، وعدم وجود قواعد بيانات يُبنى على أساسها، الأمر الذي يدفع اليوم بعض الجهات العلمية إلى أن تملأ هذا الفراغ ومن بينها المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية الذي حاول خلال ورشة عمل عقدت اليوم الأربعاء في كلية الهندسة المدنية أن يخطو باتجاه أخذ دور فعّال كمركز بحثي يناقش ويوصّف ويقدّم مقترحات مبنية على دراسات دقيقة.
وخلال الورشة التي حملت عنوان “الأزمات المعيشية والاقتصادية في ظل الحصار الاقتصادي” أكد وزير التعليم العالي د. بسام ابراهيم ضرورة دعم المعاهد في العملية التعليمية أولاً، وفي تقديم الدراسات والاستشارات ثانياً لتأخذ دورها الحقيقي في العملية البحثية، معتبراً أنه لا فائدة لأي بحث إن لم يرتبط بسوق العمل، لذلك تكمن مهمة وزارة التعليم في الربط بين الوزارات والقطاع الخاص مع السوق وحاجته بحيث يمكن تطبيق الدراسات، بينما بيّن عميد المعهد د. حيدر عباس أن الهدف من اللقاء الجامع لخبراء واقتصاديين ومؤسسات عامة وخاصة ورجال أعمال هو وضع أسس لمعالجة الأزمات التي نعاني منها، وفي تصريح لـ”البعث” أوضح عباس أنه من الضروري اليوم قراءة واقع معيشة المواطن بغية تصويب الأخطاء وطرح الأفكار وتوجيهها إلى الجهات المعنية للمعالجة، معتبراً أن توصيف الوضع المعيشي اليوم يختلف عن أي من السنوات السابقة، وكذلك الأفكار المطروحة.
المشاركون في الورشة قدّموا بيانات وشروحات للواقع الحالي في مجالات الصناعة والزراعة والموارد البشرية وغيرها من مفاصل الاقتصاد، بينما اختار عدد من المشاركين الإضاءة على الأسباب الفعلية للتراجع في تلك القطاعات التي سبقت الحصار بأعوام، معتبرين أن إيجاد حلول يحتاج إلى العودة إلى مكامن الخلل وعدم تحميل كل شيء للحصار، إذ أشار الخبير الاقتصادي د.شادي أحمد إلى معدلات النمو الاقتصادية العالية التي سُجّلت في 2010 إلا أنه وقياساً إلى السياسة السكانية حينها اقتصر هذا النمو على 22% فقط من السكان ما أوجد فجوة بين المكوّن السكاني والاقتصادي، غُطّي ظاهرياً بمعدلات الاستهلاك الكبيرة لفترة من الزمن إلا أنه بعد الحرب تفجّرت فروق طبقية هائلة نتيجة خلل توزيع الموارد والتقسيم الإداري السيّئ.
الأستاذ في كلية الاقتصاد د.هيثم عيسى استعرض مقارنة بين الخطة الخمسية التاسعة (2002-2006) والعاشرة (2006-2010) في المجال الزراعي، تبيّن من خلالها أن القطاع الزراعي بشقية النباتي والحيواني شهد تراجعاً كبيراً في الأعوام الأخيرة قبل الحرب، فالأرقام في 2010 تراجعت في مختلف المجالات عما كانت عليه في 2002، ومردّ هذا الأمر قصور التخطيط وعدم تطوير الصناعات التحويلية والغذائية، وتراجع مشاركة القطاع العام إلى 5 بالألف في الزراعة، وغياب شركات الإنتاج الزراعي.
وأشار مدير التخطيط في وزارة الصناعة د.إياد مقلّد إلى التحديات الحالية بتأمين مدخلات الإنتاج، واستعادة رؤوس الأموال المهاجرة، وتأمين فرص العمل، والتسويق الصحيح للمنتجات، لافتاً إلى أن استراتيجية الوزارة حالياً تعتمد على الترميم بين عامي 2020-2022 تليها المسارات التنموية لعمل المؤسسات.
وخلصت ورشة العمل إلى جملة توصيات أبرزها التركيز على زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي على اعتبار أنه السبيل الوحيد لتحسين سعر الصرف، وذلك من خلال السعي للحصول على قروض أو منح بالقطع الأجنبي من الدول الصديقة والحليفة لإعادة تأهيل الشركات الصناعية المدمّرة والمتضررة، ومنح القروض المصرفية اللازمة لإعادة تأهيل الشركات الصناعية في القطاع العام والخاص والمشترك، وإيقاف استيراد السلع الكمالية، ورفع أجور العاملين في الدولة، إضافة إلى التركيز على تحصيل إيرادات الموازنة العامة للدولة والضرائب ولاسيما من كبار المكلفين..