النظام السعودي أول اختبار لسياسة بايدن الخارجية
ترجمة وإعداد: علاء العطار
كان النظام السعودي إحدى الدول القليلة التي تردّد طويلاً في تهنئة جو بايدن بعد فوزه في الانتخابات على دونالد ترامب، ثم أصدر ملك النظام سلمان ونجله، ولي العهد محمد بن سلمان، في النهاية بياناً عبر وكالة الأنباء السعودية، أشادا فيه بالرئيس المنتخب بايدن ونائبته المنتخبة كامالا هاريس، بعد أكثر من 24 ساعة من نهاية السباق الرئاسي الأمريكي.
ولا يكاد الأمر يبدو مصادفة، ففي آخر الأمر، وعد بايدن بـ”إعادة تقييم” علاقة أمريكا الطويلة مع النظام السعودي، التي تحوّلت في عهد ترامب إلى دفاع صارخ عن مملكة قتلت بوحشية صحفياً سعودياً في إحدى قنصلياتها، وهذا أقلّ ما يمكن ذكره. أثار مقتل جمال خاشقجي غضباً دولياً لم تشهده الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان في الماضي، بما في ذلك جرائم الحرب في اليمن المجاور، حيث قتلت قوات النظام السعودي عشرات آلاف المدنيين في هجمات موجّهة خلال الحرب الجوية، التي تدعمها الولايات المتحدة. لكن ترامب وإدارته سارعوا إلى تبرئة آل سعود وتبييض صفحتهم، حتى بعد ورود تقارير تفيد بأن الـ”سي آي إيه” خلصت إلى أن محمد بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي. واعترف ترامب في وقت لاحق للصحفي بوب وودوارد قائلاً: “لقد خلّصته من هذا المأزق، إذ تمكّنت من إقناع الكونغرس بأن يدعه وشأنه.. تمكّنت من إقناعهم بالتوقف”. كما وقف ترامب أمام قرار في الكونغرس من الحزبين كان سينهي دعم الولايات المتحدة للحرب التي يقودها النظام السعودي ضد اليمن، والتي بدأت خلال إدارة أوباما.
وقال نيل كويليام، وهو زميل مشارك في معهد تشاتام هاوس في لندن، لرويترز: “تشعر القيادة السعودية بالقلق إزاء قيام إدارة بايدن والكونغرس بمراجعة العلاقات بين البلدين بشكل كامل، بما في ذلك إعادة تقييم العلاقات الدفاعية، وبالتالي من المرجح أن يتخذا تحركات إيجابية نحو إنهاء الصراع في اليمن”. وأضاف كويليام أنه يتوقع من إدارة بايدن القادمة “أن تشير مبكراً إلى استيائها من السياسات السعودية الداخلية والخارجية”. لذلك تبدو الرياض، في حين لم يكن مستغرباً تردّدها في تهنئة بايدن على انتخابه رئيساً، وسط صرخات ترامب اليائسة بأن “الانتخابات مسروقة”، وكأنها أول اختبار كبير لسياسة بايدن الخارجية، إذ إنه وعد بـ”حشد الديمقراطيات في العالم”، وأوضح “أن أمريكا لن تتراجع مرة أخرى عن مبادئها لمجرد شراء النفط أو بيع الأسلحة”.
وبالعودة إلى تشرين الأول من عام 2016، حينما بدت خسارة ترامب أمام هيلاري كلينتون على الأبواب، وكان من الممكن التفكير في تحولات طبيعية بما فيه الكفاية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، قبل كل الفوضى التي عصفت برئاسة ترامب، جادل موقع “وورلد بوليتيكس ريفيو” بأن الوقت قد حان لواشنطن لإعطاء الأولوية لحلفاء آخرين في الشرق الأوسط، وأفاد الموقع: “كانت دعائم استراتيجية الأمن الإقليمي الأمريكية، أمثال السعودية، في الواقع من العوامل الرئيسيّة لعدم الاستقرار”، وفي كثير من الحالات “تعكس حقبة ماضية” في المنطقة وتقوّض المصالح الأمريكية. بدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تنظر إلى حلفاء آخرين، كالإمارات.
وبعد أربع سنوات، لا يزال السؤال مفتوحاً حول مدى اختلاف سياسة الولايات المتحدة في الخليج إذا تمحورت حول أبو ظبي، بدلاً من الرياض، بالنظر إلى مدى ارتباط محمد بن سلمان بشكل وثيق مع ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان. ولكن حتى لو كان سجل الإمارات في مجال حقوق الإنسان أفضل قليلاً من سجل السعودية، فلا يزال يتعيّن على واشنطن العمل معها ومع دول الخليج الأخرى، إذ إن الولايات المتحدة لا تستطيع عملياً ألا تدخل في صفقات مع الأنظمة الخليجية إذا أرادت أن تحقّق مصالحها، ولاسيما في الشرق الأوسط”. لا يزال هذا صحيحاً اليوم، وهو الواقع القاسي وراء تعهدات بايدن بإعادة تنظيم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تعكس صدى كلمات الرئيس السابق باراك أوباما.
وأي إعادة تصوّر لموقف أمريكا العالمي سيتطلّب علاقات أكثر إنتاجية في العالم العربي، حتى لو لم يكن الشرق الأوسط أولوية في السياسة الخارجية كما كان في عهد أوباما.
ختاماً.. إن التحدي الذي يواجه بايدن يمتد إلى ما وراء ارتباط أمريكا بالرياض، إذ انتقدت دول غربية أخرى، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، النظام السعودي أكثر مما انتقدته واشنطن في عهد ترامب، لكنها لم تغيّر طبيعة علاقاتها الوثيقة معه بشكل جذريّ، والتي بُنيت بالمثل على مبيعات الأسلحة وصادرات النفط. واتضح لبعض الوقت الآن أن الرياض صمدت إلى حدّ كبير في وجه الاحتجاج الدولي بعد مقتل خاشقجي، الذي لم يدم طويلاً. ولا تزال السعودية منفتحة على الأعمال التجارية والاستثمارات الغربية اليوم كما كانت قبل هذه الجريمة الشنيعة، مثلما كان يأمل بن سلمان تماماً!.
ظهرت إحدى أحدث العلامات على ذلك الأسبوع الماضي، عندما أعلنت “فورمولا 1” أنها ستقيم سباقاً في شوارع جدة العام المقبل، كجزء من صفقة مدتها 10 سنوات لسباق الجائزة الكبرى المربح في السعودية. ووصفت مينكي ووردن من منظمة مراقبة حقوق الإنسان ذلك بأنه: “جزء من استراتيجية ساخرة لصرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، وإلى الاعتقال وتعذيب المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في مجال حقوق المرأة”.