الدبلوماسية الروسية تنقذ القوقاز
سمر سامي السمارة
تقرير إخباري
بعد مرور أسابيع من القتال بين القوات الأرمنية والأذربيجانية حول منطقة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها، وقدّر عدد من لقوا حتفهم بـ 5000 شخص، وعدّد من تهجروا من منازلهم بـ 100000 مدني، تمّ التوصل إلى اتفاق، وبوساطة روسية، لوقف إطلاق النار، وتفادي المزيد من التصعيد والمعاناة بعد أن كادت الأمور أن تقود إلى حرب أوسع في منطقة القوقاز. هذه الهدنة الأخيرة هي رابع محاولة لوقف إطلاق النار خلال الأيام الماضية، لكن يبدو أن وقف إطلاق النار الأخير، الذي دخل حيز التنفيذ مؤخراً، لا يزال قائماً لأن الجانبين قدما التزاماً علنياً.
صدر البيان المشترك عن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذري إلهام علييف إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما وافق النظام التركي على دعم وقف الأعمال العدائية، وهو من أمد أذربيجان بأسلحة متطورة ما جعلها تكتسب ميزة حاسمة ضد القوات الأرمينية في الصراع على المنطقة. من الجدير بالملاحظة غياب الولايات المتحدة والقوى الأوروبية عن المساعدة في حل الأزمة.
لقد تم تنفيذ وقف إطلاق النار مع نشر 2000 من قوات حفظ السلام الروسية الذين وصلوا مؤخراً، وسوف تقوم بدوريات على خط التماس في ناغورني كاراباخ والممر الذي يربط الإقليم بأرمينيا. ومن المقرر أن يستمر اتفاق حفظ السلام لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لإعطاء أطراف النزاع الوقت للتفاوض على تسوية نهائية بشأن وضع المنطقة. كان الصراع يهدد منطقة القوقاز بأكملها إذا استمرت الأعمال العدائية المباشرة بين البلدين، وبسبب اتفاقية دفاعية مع جمهورية أرمينيا، كان من الممكن أن تدخل روسيا في حرب مع النظام التركي، العضو في الناتو، والذي يدعم أذربيجان بكافة الأسلحة المتطورة والمرتزقة. لذلك كان من الضروري وقف الانزلاق نحو حرب كارثية، وعليه سعت الدبلوماسية الروسية لإيجاد وسيلة حيوية للخروج من الأعمال العدائية المتصاعدة، خاصةً أن موسكو تتمتع بعلاقات ودية مع كل من أرمينيا وأذربيجان، وبالتالي فإن من مصلحة روسيا الحفاظ على السلام بين جيرانها الجنوبيين، بالإضافة إلى تفادي احتمال وجود أجندة خفية من قبل القوى الأجنبية لإعادة اندلاع النزاع مرة أخرى في القوقاز. وبالفعل فقد جندت تركيا مقاتلين مرتزقة من سورية وليبيا لدعم أذربيجان ما يؤكد إمكانية التصعيد بشكل خطير، خاصة أن أذربيجان تقع على حدود داغستان والشيشان في جنوب غرب روسيا حيث شنت موسكو حرباً ضد المتطرفين الإرهابيين في أواخر التسعينيات.
رغم ذلك، لا يزال الوضع محفوفاً بالمخاطر، لكن وجود قوات حفظ السلام الروسية التي تفصل بين طرفي النزاع سيعطي السلام والعمل الدبلوماسي فرصة قوية للصمود، خاصةً أن التفاوض لم يكن سهلاً، إذ أنه بموجب شروط وقف إطلاق النار، سيكون الجانب الأرميني ملزما بالتنازل عن مناطق في ناغورني كاراباخ لأذربيجان التي تقع ضمن حكمها منذ ربع قرن تقريباً، أي منذ حرب 1992-1994.
في أرمينيا هناك اتهامات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، إذ اعتبره متظاهرون بمثابة “عملية بيع” فاقتحموا المباني الحكومية في يريفان مطالبين باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان. ومع ذلك، يبدو أن العديد من الأرمن مستسلمين لقبول حقيقة أن وقف إطلاق النار هو الخيار الوحيد لتجنب المزيد من الخسائر.