الاتجاه نحو الزراعة النظيفة “الحيوية” واستخدام البدائل
دمشق- ميس خليل
يفوق معدل تدهور التربة معدل تكوينها الطبيعي، وذلك بسبب انخفاض أو انعدام المادة العضوية الناتج عن انعدام الحياة البيولوجية، وهذا بدوره يؤدي إلى استنزاف عناصر التربة الغذائية كالآزوت والفوسفور وغيرهما، مما يتطلّب تعويضها بالكامل بالمخصبات الكيميائية التي تتسبّب بدورها في تلويث التربة والهواء والمياه الجوفية والسطحية خاصة. ولعلّ الأحوال الاقتصادية التي نعاني منها تؤدي إلى ضغوط كبيرة على الموارد الطبيعية وعلى التوازن البيئي، ويحتّم ذلك كله إيجاد بدائل ووسائل لزيادة الإنتاجية، وتقليل الآثار السلبية للعوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي هذا الإطار يوضح الدكتور منهل الزعبي مدير إدارة الموارد الطبيعية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية لـ”البعث” أن توفير تقانات متطورة للإنتاج يعتبر أحد الوسائل الفعالة والمباشرة في رفع الإنتاجية، وذلك مع سهولة التحكم بها بتكاليف أقل من تكاليف احتواء المتغيرات المناخية والبيئية والاجتماعية، وهنا لابد من الاتجاه نحو الزراعة النظيفة أو الزراعة الحيوية واستعمال بدائل الأسمدة الكيميائية، مع العلم أن هذه البدائل لا تغني عن الأسمدة الكيميائية ولكنها تقلّل من استخدامها ولاسيما في الظروف الحالية.
وبيّن الزعبي أن هذه البدائل هي أسمدة حيوية وكائنات حية دقيقة، تقوم بتفكيك بعض المواد في التربة وخاصة الآزوت وتهيئته للنبات بما يعوّضه عن المخصبات الكيميائية المستخدمة عن طريق الأسمدة المعدنية، ولعلّ من أهم تلك البدائل “الكمبوست” الذي يتكوّن من المخلفات النباتية والتي تكمر في طبقات مع توفر الظروف الهوائية، تُضاف بين طبقاتها كميات متوازنة من الأسمدة المعدنية، فضلاً عن إضافة التربة الزراعية لزيادة قدرة المخلفات على الاحتفاظ بالماء وحفظ الآزوت والفوسفور من الفقدان بالرشح، ومن أهم فوائد الكمبوست أنه سماد متوازن يساعد على نمو النبات، يحسّن من عملية امتصاص العناصر الغذائية، ويزيد من قوة اختزان الماء ومن مسامية التربة وبنيتها، إعداده غير مكلف، الطور الحراري فيه يقتل بذور الحشائش والأعشاب والكائنات الممرضة، يعمل على تيسير العناصر المثبتة بالأرض (مثل الفوسفور والحديد والزنك) غير الميسرة للنبات وتحويلها لصورة صالحة لامتصاص النبات، كما يزيد من محتوى التربة من المادة العضوية ويساهم في الحدّ من تدهور التربة.
رخص تكاليف الإنتاج
وتعدّ الأسمدة الحيوية “المخصبات الحيوية” من أهم بدائل الأسمدة الكيميائية، كما تعدّ مصادر غذائية للنبات رخيصة الثمن، في حين أن فوائد المخصبات الحيوية –كما ينوه الزعبي- تتمحور حول ترشيد استخدام الأسمدة المعدنية والحدّ من تلوث البيئة، وزيادة الإنتاجية المحصولية والجودة العالية الخالية من الكيماويات، وزيادة خصوبة التربة، وإتاحة العناصر الغذائية كالفوسفور والبوتاسيوم، إضافة إلى رخص تكاليف إنتاجها والحفاظ على نظافة البيئة.
ولعلّ ارتفاع أسعار الأعلاف المركزة “الكيميائية” وتكاليف نقلها، بغية الحصول على علف أخضر متكامل خالٍ من المواد الكيميائية على مدار العام ودون الحاجة إلى مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ناهيك عن تكاليف توزيع الأعلاف التي تشكل ما يقارب 60 إلى 70% من تكلفة أي مشروع متعلق بالثروة الحيوانية، يجعل اللجوء إلى استخدام بدائل الأسمدة الكيميائية “ضرورة” من وجهة نظر الزعبي، والتي تُصنّف منها أيضاً الخميرة وفطريات ميكوريزا وسماد الغاز الحيوي، والأهم من ذلك التسميد الأخضر، ويقصد بالتسميد الأخضر زراعة أي محصول بغرض حرثه في الأرض عند بلوغه طوراً معيناً من أطوار نموه، وينصح به لعدة سنوات لإمكان إحداث زيادة في المادة العضوية بالأرض والمحاصيل المستخدمة غالباً هي البقوليات. ولعلّ أهمية التسميد الأخضر تتلخص بزيادة المادة العضوية في التربة، وزيادة الآزوت في التربة، والمحافظة على العناصر الغذائية في التربة في حال وجود محصول يغطى الأرض فإنه يمتص العناصر الغذائية النباتية، وبذلك تكون أقل عرضة للفقدان مثل النترات نظراً لسرعة ذوبانها، وزيادة صلاحية بعض العناصر الغذائية (تزداد صلاحية العناصر الغذائية بالتسميد الأخضر وذلك نتيجة لأثر الأحماض العضوية الناتجة عن تحلّل المادة العضوية المضافة والتي تؤدي إلى ذوبان العناصر غير الميسرة للنبات وتحويلها إلى صورة صالحة لامتصاص النبات)، زيادة نشاط الأحياء الدقيقة (تستخدم المادة العضوية المضافة عن طريق التسميد الأخضر كغذاء للأحياء الدقيقة، كما أنها تؤدي إلى تنشيط بعض التفاعلات البيولوجية بدرجة كبيرة).
المعادلة السمادية
في حين يعدّ التقيد بالمعادلة السمادية وتوصية وزارة الزراعة لتسميد المحاصيل -كما يشير الزعبي- وسيلة ناجحة لإعطاء النبات حاجته من العناصر المغذية دون زيادة أو نقصان، وذلك بعد تحليل التربة ومعرفة حاجة النبات من العناصر الغذائية، الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من استعمال الأسمدة الكيميائية، ولاسيما بعد إصدار برنامج المعادلة السمادية الذي أعدّته الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ويشمل الأسمدة العضوية، فإضافة الأسمدة العضوية في حساب هذا البرنامج تعطي توصية سمادية من الأسمدة المعدنية أقل عند عدم إضافة الأسمدة العضوية.
الزراعة العضوية
أما الاتجاه نحو الزراعة العضوية فإنه يصنّف من أهم بدائل الأسمدة الكيميائية، وهي أسلوب الإنتاج الزراعي الذي يتيح إنتاج سلع ذات جودة في الوقت نفسه، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية واحترام النظام البيئي وصحة الإنسان والحيوان والنبات، علاوة على ذلك يحظر استخدام المنتجات الكيميائية المركبة والمنتجات التي تحتوي على كائنات معدلة وراثياً، وكذلك الأسمدة الكيميائية والهرمونات.. وغيرها.
ويؤكد الزعبي أنه يتمّ التركيز حالياً على التوسّع باستخدام الأعلاف الخضراء ونشر ثقافة استخدامها والاستغناء قدر الإمكان عن الأعلاف الكيميائية، ونشر ثقافة التسميد الحيوي بين الفلاحين، بغية ترشيد استخدام الأسمدة والمياه والمبيدات للحدّ من تلوث البيئة والحفاظ على الصحة العامة لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة.