محاربة “الترامبية” حتى بعد رحيل ترامب
ترجمة وإعداد: علاء العطار
قد يظنّ المرء أن أربع سنوات من انعدام الكفاءة غير المسبوق والأكاذيب والوحشية والفساد والفضائح كافية لتحرّر حتى أكثر مؤيدي ترامب حماسة من الوهم، لكن في ضوء نتائج الانتخابات، يواصل ما يقرب من 45٪ من سكان الولايات المتحدة دعمه، وهذا ما دفع معظم الأمريكيين الذين يشكّلون 55٪ إلى استنتاج أن نسبة الـ 45٪ تتكوّن أساساً من واهمين بحقيقة ترامب، وعقولهم حصينة لا تستطيع الحقائق والمنطق اختراقها، لذا سيعاني الأمريكيون من الترامبية لسنوات عديدة قادمة.
يقول التاريخ: إن هذا التنبّؤ يثير الشؤم حقاً، فعندما استقال نيكسون مَخزيّاً، كانت نسبة تأييده 19٪، لذا من الواضح إذن أن نحو 20٪ من الشعب الأمريكي سيدعمون أي رئيس جمهوري مهما فعل، وهذه هي الأخبار السيئة، لكن النبأ السار هو أن هذه النسبة هي 20٪ من الشعب الأمريكي وحسب، وقد يكون الـ25٪ الآخرون من مؤيدي ترامب مستعدين للتخلّي عنه.
بيد أن إقناع هؤلاء لن يكون سهلاً، إذ تعلّم الأمريكيون خلال السنوات الماضية أن مجرد التحقّق من صحة أكاذيب ترامب العديدة أو سياسة الجدل لن يكون له تأثير يُذكر، بدل ذلك، سيتطلّب إقناع الـ25٪ “سهلي الانقياد” مقاربة بديلة تعتمد على كشف أجندة الأوليغارشية وراء الدعاية اليمينية.
نفّذت جين سينكو، وهي ناشطة إعلامية، هذه الاستراتيجية في فيلمها الوثائقي ” The Brainwashing of My Dad” الذي صدر عام 2016. بعد أن بيّنت سينكو كيف أثرت “فوكس نيوز”، و”راش ليمبو”- شخصية إذاعية أمريكية مشهورة- في تحويل والدها فرانك من شخص لطيف ومحبّ وغير أيديولوجي إلى حزبي عنيف ولدود، بدأت تشرح كيف أعادته هي ووالدتها إلى طبيعته المعهودة. لم تتحدياه أو تقلّلا من شأنه أو تتجنباه، بل قلّلتا ببراعة من كمية مشاهدته لقناة “فوكس نيوز” و”ليمبو”، وزادتا بمهارة من مشاهدته لكل من وسائل الإعلام المعتدلة ووجهات النظر الأكثر تقدمية، فتغلب فرانك على “إدمانه” غير الصحي وعاد إلى طبيعته.
وتوصي إليزابيث بوركارد باتباع استراتيجية مماثلة في كتابها ” The Cult Next Door: A True Story of a Suburban Manhattan New Age Cult”. دخلت بوركارد في طائفة دينية عندما التقت بـ جوديث كارلون، وهي كاثوليكية متعصبة، وبدل أن تحاول كارلون إعادة تأهيل بوركارد على الفور، أنشأت معها صداقة أولاً. وبمجرد أن أصبح بينهما علاقة ثقة قوية، بيّنت كارلون لبوركارد تناقضات عقائد زعيم طائفتها والطرق التي كان يستغلها بها مع أعضاء الطائفة الآخرين. في النهاية، مكّنت هذه المحادثات الآمنة والتعليمية بوركارد من رؤية النور والتحرّر.
وبالمثل، يحتاج الأمريكيون إلى فعل أكثر مما فعله السيناتور الأمريكي شيلدون وايتهاوس في جلسات الاستماع لمرشّحي المحكمة العليا نيل جورسوش، وبريت كافانو، وإيمي كوني باريت، إذ تتبع أموالهم وكشف ألاعيبهم. كان هدف السيناتور وايتهاوس فضح الحزب الجمهوري بشكل عام. وعلى السياسيين والمنظمات الديمقراطية أن يركزوا معارضتهم لوسائل الإعلام الجمهورية بشكل خاص، فكثير من أتباع ترامب، إن لم يكن معظمهم، يفشلون ببساطة في إدراك أنه يكذب عليهم على الدوام.
على سبيل المثال، تستخدم “فوكس نيوز” التحيّز العرقي والديني والجنسي للتلاعب بمشاهديها بغية التصويت لمرشحين جمهوريين، لكن السبب وراء رغبة مالكيها، روبرت مردوخ وأبنائه، في فوز المرشحين الجمهوريين، لا علاقة له بالعرق أو الدين أو الجنس، بل يفضّل آل مردوخ المرشحين الجمهوريين لأنهم سيروّجون للسياسات التي تجعل عائلتهم وأصدقائهم فاحشي الثراء أكثر ثراءً من خلال تحرير قطاعي الطاقة والمالية، وتثبيت قضاة مؤيّدين للشركات، وتخفيض الضرائب، ومعارضة أي شيء سيزيد سلطة العمال وزيادة الحدّ الأدنى للأجور والمزايا التي تدفعها الحكومة وإصلاح تمويل الحملات.
ويجب الإشارة مراراً إلى واقع أن عدداً قليلاً من فاحشي الثراء المتطرفين أمثال آل مردوخ يستخدمون وسائل الإعلام لزيادة ثرائهم على حساب المشاهدين. ويجب على الأمريكيين مساعدة “الترامبيين” على إدراك أن عائلة مردوخ ورفاقهم من الأثرياء لا يهتمون بهم، وأنهم عندما يضيعون أوقاتهم في مشاهدة قناة “فوكس نيوز” وغيرها من وسائل الدعاية اليمينية، فإن فاحشي الثراء من ذوي الاهتمامات والقيم المختلفة جداً يصلون إلى أدمغتهم ويغسلونها، ويأسرون مشاعرهم، ويبعدونهم عن الواقع ليخلدوا في غياهب الأوهام. بمرور الوقت، من المفترض أن يساعد التكرار الدؤوب لهذه الحقيقة المظلمة على تخفيف حدّة جميع الأكاذيب والاستفزازات المتكررة التي يتردّد صداها في وسائل الإعلام اليمينية.
لكن مجرد تكرار الحقيقة في كل مكان لن يكون كافياً. في النهاية، ما ساهم في انتشار شعار “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” هو الغضب والاستياء. إنهم مقتنعون وغاضبون من أن السياسيين الديمقراطيين والأكاديميين ووسائل الإعلام السائدة ينظرون إليهم باحتقار، ويفترضون أنهم جميعاً جهلاء وعنصريون “بائسون”. ومن هذا الغضب المتصاعد من تهميش “الحكومة” لهم ينشأ كل تعصبهم القبلي وقابليتهم للوقوع في شرك نظريات المؤامرة المنافية للعقل. ولأن “الترامبية” تنبع من هذه المشاعر الفجة، فإن مجرد الجدال حول الحقائق والأيديولوجيا والسياسة والقيم لن يغيّر رأيهم، لذا فإن تحويلهم (مرة أخرى) إلى أشخاص عقلانيين لن يتطلّب تثقيفاً جماهيرياً فحسب، بل يتطلّب إرشاداً جماهيرياً أيضاً.