ميادة الحناوي.. المطربة التي جاء إليها عمالقة التلحين من مصر
كاد الحديث لا ينتهي عن رحلة الفنانة ميادة الحناوي في مجال الغناء من خلال الندوة التي عُقدت مؤخراً في مركز ثقافي كفر سوسة بحضور الفنان عثمان الحناوي مدير أعمالها وأخيها الذي رافقها في رحلتها مع الفن وكان شاهداً على مسيرة طويلة لفنانة أدهشت بصوتها كل من استمع إليه من عمالقة الملحنين، وهي التي وصِفت بسفيرة الغناء والأيقونة التي أوصلت اسم سورية إلى جميع أنحاء الوطن العربي.
تاريخ مشرّف
أدار الندوة الملحن إيهاب المرادني الذي عبّر عن سعادته بإدارة الندوة بوجود عثمان الحناوي توأم روح الفنانة ميادة وكان أول من يسمعها وتستشيره في كل الأمور، فكان برأيه شريكاً حقيقياً لها في كل نجاحاتها، ولم يخفِ المرادني كملحن أنه يتمنى أن يلحّن لهذا الصوت، مؤكداً أن حلم الملحنين الشباب التلحين لهذه الشخصية الفنية صاحبة التاريخ الفني الطويل والمشرّف والتي لها جمهور كبير على مساحة الوطن العربي، موضحاً أن ما يميز صوت ميادة الحناوي عدة أشياء، فهي مطربة تغني بشكل صحيح بنسبة مئة بالمئة حتى في تدريباتها، في حين أن أصوات معظم مطربي هذه الأيام تتم معالجتها تقنياً، إلى جانب الإحساس العالي الذي تغني به، فكل كلمة تقولها تأخذ حقها من هذا الإحساس، والفن برأيه إن لم يلامس الوجدان لا يُعتبر فناً، بالإضافة إلى خصوصية شخصيتها، فهي لا تتقمص شخصية الملحنين الذين يقدمون لها ألحاناً بل تحافظ على شخصيتها، وهي من القلائل الذين يستطيعون فعل ذلك على الرغم من أنها غنّت وهي في مقتبل العمر وتعاملت مع عمالقة التلحين.
مطربة الجيل
وتحدث الفنان عثمان الحناوي عن مسيرة المطربة ميادة في طفولتها وكيف أنها عاشت في بيت بحارة شعبية في مدينة حلب وقد تربّت على سماع الأغاني الصعبة التي كان يرددها الوالدان وأهل حلب مدينة الطرب، وكان والداها يمتلكان صوتاً جميلاً أورثاه لابنتيهما ميادة وفاتن التي بدأت الغناء قبلها عام 1975 ولكنها سرعان ما اعتزلت، مبيناً أن ميادة لم يكن لديها الطموح للغناء وكانت تردد دائماً أنها لن تغنّي إلا إذا لحّن لها محمد عد الوهاب وهو ما حصل، حيث التقت به في دمشق واستمع منها لأغنية “لسه فاكر” وهي في عمر الـ 17 وحينها دعاها للسفر إلى القاهرة لتعلن عن موهبتها في العام 1977 وهناك عرَّفها على شاعر كبير نظم لها أغنية “في يوم وليلة” خصيصاً، وبسبب غيرة زوجة عبد الوهاب تم ترحيلها حينها من مصر، فعادت إلى سورية وكانت المطربة السورية الوحيدة التي أتى من أجلها عمالقة التلحين إلى سورية: محمد الموجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي وحلمي بكر وغيرهم، وكانت أول زيارة من قبل محمد الموجي الذي لحّن لها أول أغنية “اسمع عتابي” وموشح “يا غائباً لا يغيب” ومن ثم أتى بليغ حمدي من لندن إلى سورية باحثاً عن صوت جميل وقد وجده في صوتها بعد أن استمع لهاتين الأغنيتين، وبقي في سورية نحو أربع سنوات ولحَّن لها أول أغنية “فاتت سنة” بقيادة فرقة الفجر الموسيقية لأمين الخياط، وتوقف عثمان مطولاً عند مرحلة تعاون بليغ حمدي مع ميادة التي غنّت معه أروع أغانيها الطربية مثل “أنا بعشقك” و”الحب اللي كان” وكلتاهما كتبهما بليغ حمدي و”أعمل إيه” و”سيدي أنا” و”مش عوايدك” وغيرها من أروع الأغاني التي حققت لها انتشاراً كبيراً في العالم العربي وبين الجاليات العربية في أميركا وأوربا حيث كانت ترافقها عدسات كبرى المجلات العربية في حفلاتها وعلى رأسها مجلة “الموعد” ممثلةً بالكاتب محمد بديع سربيه الذي أطلق عليها لقب “مطربة الجيل” والذي غنّت ميادة أيضاً من أشعاره والذي قال عن نجاحها: “ميادة حققت في ثلاث سنوات ما حققته وردة في ثلاثين عاماً” منوهاً عثمان كذلك لتعامل ميادة مع الموسيقار رياض السنباطي الذي قال عنها: “يسعدني كما بدأت حياتي مع أم كلثوم أن أنهيها مع ميادة الحناوي” وقد أعطاها لحن قصيدته “أشواق” والتي قامت بتنفيذها فرقة الفجر وبإشراف بليغ حمدي الذي كان موجوداً في سورية وقد قال السنباطي عندما سمع لحن “أشواق” من ميادة: “لأول مرة تتفوق مطربة على رياض السنباطي “وقد عاد وقدم لها لحن رائعته “ساعة زمن” مشيراً عثمان في كلامه إلى جميع الملحنين الكبار الذين تعاونت معهم ميادة أمثال سيد مكاوي ومرسي جميل عزيز وفاروق سلامة وصابر سلامة وسامي الحفناوي ومحمد سلطان وعمار الشريعي، مبيناً أن ميادة رفضت مغادرة سورية خلال الحرب وغنّت خلال هذه الفترة مجموعة من الأغاني الوطنية وهي التي في رصيدها مجموعة منها بدأتها بقصيدة محمد مهدي الجواهري “جبهة المجد” ألحان صفوان بهلوان و”يا شآم” و”يسلم ترابك يا شام” وغيرها.
وختم عثمان كلامه بتوجيه العتب الشديد للمنتج محسن جابر الذي يحتفظ بأدراجه ومنذ أكثر من 15 سنة بستة ألبومات لم ترَ النور حتى الآن وهي من ألحان بليغ حمدي ومحمد سلطان ورياض السنباطي وصلاح الشرنوبي، في حين أعلن عثمان وعبر جريدة “البعث” ورداً على الشائعات التي طالت وضعها الصحي أن ميادة بخير وبصحة جيدة، وهي تحضر لأغنيتين جديدتين هما “ياما سنين” ألحان عبد العظيم محمد و”أنا متأكدة” لمحمد سلطان، بالإضافة إلى أغنية وطنية لسورية.
نجمة النجوم
وأشار المايسترو أمين الخياط في تصريحه لـ”البعث” أنه بدأ العمل مع ميادة عام 1980 عندما حضر بليغ حمدي لدمشق من خلال فرقة الفجر الموسيقية، وأنه يحترم تلك المرحلة التي رافق فيها ميادة والتي أصبحت خلال ثلاثة أشهر بفضل ألحان بليغ حمدي نجمة النجوم، وهذا مالم يحدث مع غيرها، مشيراً إلى الحفلات الكثيرة التي أقامتها ميادة وحققت نجاحات كثيرة، موضحاً أن أهم ما يميز تلك المرحلة الفن النظيف والمهنية، وأنه وبليغ أطلقا على صوتها لقب “البلدوزر” لأن معظم المطربين يبدؤون بالغناء وبعد نصف ساعة يتعبون إلا ميادة التي تجود بصوتها كلما مر الوقت.
حنجرة ذهبية
أما عازف الكمان عدنان الحايك والذي عزف في الندوة مجموعة من أغنيات ميادة فأشار في تصريحه لـ”البعث” أيضاً إلى أنه كان ضمن فرقة أمين الخياط التي رافقت ميادة الحناوي في إطلاقها لأول أغنية من ألحان بليغ حمدي وهي “فاتت سنة” ثم “حبينا وتحبينا” وقد رافقها في جميع حفلاتها التي لاقت إقبالاً جماهيرياً كبيراً، موضحاً أن ميادة هي امتداد حضاري لأم كلثوم، فمن لحَّن وكتب لأم كلثوم لحّن لها، مؤكداً أنها مازالت تمتلك حنجرة ذهبية لن تتكرر، في حين بيّن الملحن خالد حيدر أنه تعامل مع ميادة كملحن من خلال عدة أغنيات وطنية مثل “يا شآم” كلمات د. نبيل طعمة و”الحب الأول هو الشام” و”يا أمة العرب” ومجموعة من الأغاني الوطنية، موضحاً أن ميادة خير من غنّى الأغاني الوطنية لأنها تمتلك صوتاً ذا خبرة وثقافة، إلى جانب قدرتها الكبيرة على غناء القصيدة لإجادتها للّغة العربية بشكل كبير، وهي مطربة تغنّي وتعرف جيداً ما تقول، أما الملحن معن إبراهيم دوارة فقد رأى أنه كان سعيد الحظ حينما تحقق حلمُه الذي كان يراوده منذ طفولته بالتلحين لميادة حين لحّن لها أغنية “حلب يا ذهب العتيق” عام 2016 كلمات مضر شغالة، منوهاً إلى أن ما تتميز به ميادة نقاء صوتها وقد اكتشف من خلال التدريبات أن طبقة القرار الموجودة عندها غير موجودة في أي صوت آخر، مشيراً إلى أن في جعبته أغنيتين عاطفيتين لها رهن الظروف.
أمينة عباس