قمة العشرين و”الأثافي” الثلاثة
أحمد حسن
ربما كان الشيء الوحيد الذي نكاد نجمع عليه، شعوباً وقبائل، أن العالم اليوم في أمسّ الحاجة إلى بارقة أمل. سواء في شأن مواجهة جائحة كورونا التي تضربه، دولاً وأفراداً، أم في شأن الجائحة الاقتصادية التي ألمّت به قبل نظيرتها الفيروسية واستّعرت نيرانها معها وبعدها، والمتمثّلة، وفق عبارات الاقتصاديين، بعدم استقرار الاقتصاد الكلّي، وغياب أفق التنمية المستدامة، واستحالة تعزيز رأس المال البشري، وغياب العدل في تدفق التجارة والاستثمار، والامتناع عن مساعدة الدول التي ترزح تحت أعباء الديون أو الفقر.
وإذا كان هناك أمل ما، وهو مشروع بالمناسبة، في إيجاد حلّ للجائحة الأولى، فإن تراكم الخيبات وتتاليها من إمكانية وجود حلّ للثانية، هو الشيء الآخر، والأخير، الذي يحوز على إجماعنا أيضاً.
أول أمس أضيفت إلى خيباتنا واحدة أخرى – وإن كانت متوقّعة – باختتام “قمة العشرين” اجتماعها الدوري الخامس عشر المنعقد “افتراضياً” لبحث هذه المواضيع – وغيرها – مجتمعة ومتفرقة ووضع الحلول لها على ما يقال لنا بمناسبة كل اجتماع مماثل.
افتتاح الجلسة الأولى كان معبّراً عن القمة وسير أعمالها ونتائجها لاحقاً، وبكلمة أخرى كان أول “الأثافي” الشهيرة، فالزعماء الذين يحملون، كما يقول كاتب عربي متفائل، مفاتيح الحاضر ومفاتيح المستقبل، اجتمعوا افتراضياً عبر الشاشات خوفاً من كورونا، فكيف يمنحون أملاً لسواهم؟! أكثر من ذلك ،كل منهم بدا وأنه في واد. ترامب يلهو بشيء ما – ربما هاتفه الشخصي – بعد أن لعب كثيراً بجميع الحاضرين دون استثناء، وانسحب من كل الاتفاقات التي كانت تجمعهم نظرياً على الأقل. بالنسبة له هذا اجتماع آخر – وأخير – مملّ ولا يرجى منه أي نتيجة. الآخرون لم يعرفوا إن كانت القمة بدأت أم لا. قيل بأنها مشاكل تقنية في العالم الافتراضي. قد تكون كذلك لكنها كانت معبّرة جداً عن كوارث حقيقية في العالم الواقعي.
البيان الختامي، المكتوب هذه المرة بالبلاغة العربية، كان معبّراً أكثر. وكان، أيضاً ثانية “الأثافي”. فالقمة لم تكن افتراضية فقط، بل بيانها كان كذلك أيضاً، وقد يقول البعض إنه – أي البيان – منتج طبيعي لزعماء يعيشون أيضاً في عالم افتراضي بعيداً عن العالم الواقعي الذي يعيش فيه بقية البشر. لكنه في الحقيقة لم يكن إلا استعارة أمينة من مفردات “اللاهوت السياسي” والعملي الذي يؤمنون، ويعملون، به، وإلا فما معنى أن يطالب العشرون الأقوى اقتصادياً بإخراج العالم من أزماته، فيما هم المسببون الرئيسون لها، بدءاً من قضية المناخ وصولاً إلى الفقر المستدام. أكثر من ذلك، بعض هؤلاء العشرين، بل أغلبيتهم الساحقة، لن يستمر رخاؤه إلا باستمرار المآسي، وازدياد توحش عملية نهب الأطراف، واتساع رقعة الحروب في العالم، فكيف سيجدون لمشاكل العالم حلولاً؟!.
بيد أن قمة مثل هذه لا يمكن أن تنتهي دون “ثالثة الأثافي”، وهذا ما تكفّل به بيان البيت الأبيض بعد اختتام القمة، فقد أوضح أن الرئيس الأميركي ناقش خلال القمة “التفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية القائمة على مبادئ الإنصاف والمعاملة بالمثل، مشيراً إلى أهمية السياسات التي تعزّز دور العمال والأسر”!.. هذا جزء من لاهوت التضليل الذي يجيده هذا “البيت” أكثر من غيره. ماركس ذاته بدأ يتملل في قبره.
وبالطبع لا بد من الإشادة بشيء ما فقد اعترف المجتمعون، ولو لفظياً، بجزء من مسؤوليتهم عمّا يجري وطالبوا بتضامن أوسع للحل، لكن كالعادة اقتصرت دعوتهم للتضامن على بعضهم البعض، فيما ألقوا بالمسؤولية، عملياً، على بقية دول العالم. هنا ما يستوجب الإشادة، فهذه الأخيرة تتحمّل فعلياً مسؤولية خضوعها وصمتها أمام نهب خيراتها.
بالمحصلة، لسان حال القمة: العالم مسؤول عما حلّ به ونحن نحاول “ترقيع” ما فتقه غيرنا.. لسان حال العالم: حسناً لا نريد حلولكم، فقط توقفوا عن شن الحروب من أجل النهب وسنكون لكم من الشاكرين.