قراءة في كتاب أوباما “أرض الميعاد”.. كنت بارعاً في قتل الناس
إعداد: علاء العطار
دافع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بقوة عن سياسة الطائرات دون طيار القاتلة في مذكراته الأولى التي كتبها بعد فترة ولايته التي دامت ثماني سنوات في البيت الأبيض.
في مقتطف من كتابه “أرض الميعاد”، نُشِر في صحيفة صنداي تايمز قبل صدوره، قال أوباما: إن الوجه المتطور للحرب يعني أنه كان لزاماً عليه أن يلجأ إلى “حرب غير تقليدية أكثر استهدافاً”.
ومقارنة بسلفه جورج دبليو بوش، زاد عدد الضربات الجوية بطائرات دون طيار في عهد أوباما عشرة أمثال، الأمر الذي أسفر عن آلاف الوفيات في أفغانستان والصومال واليمن، بين بلدان أخرى.
ولكن جماعات حقوق الإنسان شككت باستمرار في شرعية مثل هذه الضربات ودقتها، كما جادلت بأن عشرات المدنيين قتلوا في إطار السعي الحثيث لإنجاز هدف واحد أثناء ولاية أوباما.
وكان يُنظر إلى سياسة أوباما في الهجمات الجوية بطائرات دون طيار على أنها وصمة عار كبيرة على سمعته كرئيس، ويعدها بعضهم أخطر إرث تركه لمن يليه.
وفي معرض دفاعه عن سياسته هذه، كتب أوباما أن الشباب والفتيان الذين استهدفهم “كان اليأس والجهل وأحلام المجد الديني تعيق عقولهم وتحرف تفكيرهم”، وأضاف: “لقد كانوا خطرين، فالعالم الذي كانوا جزءاً منه، والآلات التي كانت تحت إمرتي، كانت تدفعني إلى قتلهم”!.
أفغانستان والعراق
وأعرب أوباما عن تأييده لبعض السياسات والتدخلات المثيرة للجدل فيما يتصل بمكافحة الإرهاب التي أطلقها سلفه بوش الابن، ويقول: “على عكس بعض اليساريين، لن أنخرط أبداً في إدانة كلية لنهج إدارة بوش في مكافحة الإرهاب”!.
بيد أن أوباما انتقد بوش لأنه “حرف المعلومات الاستخباراتية ليكسب تأييد الشعب” لحرب العراق، وهو ما عده “خطأ استراتيجياً لا يقل فداحة عن خطأ الانزلاق إلى حرب فيتنام قبل عقود”.
ومع ذلك، إضافة إلى الحرب في أفغانستان التي ورثها أيضاً عن بوش، يقول أوباما: “لم تكن هذه الحرب تشتمل على القصف العشوائي أو الاستهداف المتعمد للمدنيين الذي كان جزءاً روتينياً من الحروب “الصالحة” مثل الحرب العالمية الثانية”، ويزعم: “مع استثناءات مريعة مثل جرائم (أبو غريب)، أظهرت قواتنا في مسرح العمليات مستوى رائعاً من الانضباط والاحتراف”.
غير أن المنتقدين شككوا في سجل الولايات المتحدة في الحربين، وقرنوا صعود الجماعات الإرهابية مثل تنظيم “داعش” بالتدخلات التي تقودها الولايات المتحدة.
وفي أيلول الماضي، قال تقرير رسمي صادر عن جامعة براون في الولايات المتحدة: إن أكثر من ثلاثة ملايين شخص قتلوا على الأرجح نتيجة لما يدعى الحرب الأمريكية على الإرهاب التي دامت عقدين من الزمان، بمن فيهم الوفيات الناجمة عن الجوع والمرض وانهيار الأنظمة الصحية.
كما جاء في التقرير الصادر عن مشروع تكاليف الحرب الخاص بالجامعة، أن 37 مليون شخص على الأقل، معظمهم من المدنيين، نزحوا من أفغانستان والعراق وباكستان واليمن والصومال والفلبين وليبيا وسورية، وهي بلدان استهدفتها “الحرب على الإرهاب” التي بدأها بوش في أعقاب 11 أيلول، وحمل أوباما لواءها من بعده. وذكرت الدراسة أن “حجم النزوح في الدول الثماني التي شملها الاستطلاع من المرجح أن يصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل إلا في الحرب العالمية الثانية”.
هجمات الطائرات دون طيار
وكتب أوباما عن الحاجة إلى “اجتثاث” من يشتبه في أنهم مقاتلون في تنظيم “القاعدة” في مختلف أنحاء العالم، وأعرب عن نيله استحسان شعبه في قتل الولايات المتحدة لأسامة بن لادن في عام 2011، وقال: “إن تنظيم “القاعدة” لم يكن مستعداً للتفاوض أو للالتزام بقواعد الاشتباك”، ولكن البعض شكك أيضاً في التزام الولايات المتحدة بقواعد الاشتباك في عهد أوباما، وخاصة عندما يتعلق الأمر بضربات الطائرات دون طيار.
أشرف أوباما على تنفيذ ضربات أكثر في عامه الأول مقارنة بما نفذه بوش أثناء فترة رئاسته بأكملها، وطبقاً لمكتب الصحافة الاستقصائية، استهدف ما مجموعه 563 ضربة جوية، أغلبها من طائرات دون طيار، باكستان والصومال واليمن أثناء السنوات الثماني التي قضاها أوباما في منصبه، مقارنة بنحو 57 ضربة في عهد بوش.
كما نفذت إدارة أوباما مئات الضربات في ليبيا وسورية، ويقدر مجلس العلاقات الخارجية أن 3797 شخصاً قتلوا في غارات شنتها طائرات دون طيار أثناء ولاية أوباما، بمن فيهم 324 مدنياً، وهو رقم محل خلاف.
كان التوسع ممكناً بفضل تبني أوباما لما يسمى “الضربات النمطية” التي سمحت بإطلاق النار على تجمعات ممن يشتبه أنهم مسلحون، وأفادت التقارير أن أوباما قال لكبار مساعديه في عام 2011: “تبيّن أنني بارع حقاً في قتل الناس، لم أكن أدرك أن هذا سيكون أحد سماتي البارزة”.
لايزال المدى الكامل للحرب الجوية التي شنها أوباما مجهولاً، ولكن ميكا زينكو من مجلس العلاقات الخارجية اعتبر أن إدارة أوباما ألقت في عام 2016 وحده ما لا يقل عن 26171 قنبلة، في إطار حملة متصاعدة زعمت أنها شنتها على تنظيم “داعش” في العراق وسورية، وهذا يعادل في المتوسط ثلاث قنابل تلقى كل ساعة على مدار اليوم في سورية والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن والصومال وباكستان.
وفي كتابه “أرض الميعاد” يزيد أوباما من حدة انتقاداته بحجة أن الطبيعة المتغيرة لساحة المعركة تتطلب أشكالاً جديدة من الحرب. ونظراً لأن تنظيم “القاعدة تشتت واختبأ شتاته في أوكار سرية تحت الأرض، ويتنقل ضمن شبكة معقدة من التابعين والنشطاء والخلايا النائمة والمتعاطفين الذين يتصلون بالأنترنت ويحملونه هواتف محمولة مسبقة الدفع، واجهت أجهزة الأمن الوطنية لدينا تحدياً يتمثل في بناء أشكال جديدة من الحروب غير التقليدية الأكثر استهدافاً، بما في ذلك تشغيل ترسانة قاتلة من الطائرات دون طيار للقضاء على عناصر القاعدة داخل أراضي باكستان”.
يقول أوباما: إن الشبان “الخطرين” الذين استهدفهم كانوا في واقع الأمر أشخاصاً أراد دعمهم، ولكنه لم يتمكن من ذلك. “لقد كان هؤلاء الشبان خطرين، وكانوا في كثير من الأحيان قساة على نحو متعمد وغير متعمد، أردت بطريقة ما أن أنقذهم، أرسلهم إلى المدرسة، وأعلمهم صنعة، وأجتث الكراهية من نفوسهم، لكن العالم الذي كانوا يشكّلون جزءاً منه، والآلات العسكرية التي كانت تحت تصرفي، كانا كثيراً ما يجعلاني أقتلهم بدل ذلك”.
من ناحية أخرى، شككت جماعات حقوق الإنسان في مدى كون أولئك الذين استهدفتهم الآلة العسكرية الأمريكية في عهد أوباما مسلحين في واقع الأمر، فقد أشارت منظمة ريبريف التي تتخذ من لندن مقراً لها إلى أن الولايات المتحدة تنظر إلى كل الذكور في سن العسكرية، الفتيان والرجال الذين تجاوزوا سن السادسة عشرة، في المنطقة المستهدفة على أنهم أهداف مشروعة ما لم يتم تقديم الدليل على براءتهم بعد وفاتهم.
سمح هذا للمسؤولين الأمريكيين بأن يزعموا أن أعداد الضحايا المدنيين منخفضة، وأن عدداً كبيراً من المسلحين قتلوا.
كان عدم مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة في مثل هذه الضربات محور دعوى رفعها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية على إدارة أوباما بسبب ما زعموا أنه قتل خارج اختصاص السلطة القضائية لثلاثة مواطنين أمريكيين في اليمن في عام 2011، وقال جميل جعفر، نائب المدير القانوني للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية: “إذا كانت الحكومة تعتزم إطلاق صواريخ بريداتور على المواطنين الأمريكيين، فمن المؤكد أن الرأي العام الأمريكي لديه الحق في معرفة من هو المستهدف، ولماذا”، وقد رفضت المحاكم الأمريكية الدعوى.
كما أثارت منظمة ريبريف تساؤلات عن دقة غارات الطائرات دون طيار، وبين عامي 2002 و2014، أظهر تحليل أجرته مؤسسة ريبريف أن غارات الطائرات الأمريكية دون طيار في اليمن وباكستان قتلت 1441 شخصاً مجهولاً في محاولات فاشلة لقتل 41 شخصاً من الأفراد المذكورين، وقالت المنظمة: إن وكالة الاستخبارات المركزية قتلت خلال استهدافها زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري 76 طفلاً و29 بالغاً، لقد فشلوا مرتين، ولكن الظواهري لم يقتل!.
غوانتنامو والتعذيب
وعلى صعيد آخر كتب أوباما أنه حين تولى منصبه قرر الشروع في “إصلاح” سياسات سلفه في مكافحة الإرهاب، بدلاً من “تمزيق جذورها وفروعها ليبدأ من جديد”. و”كان أحد هذه الإصلاحات إغلاق معتقل غوانتنامو، وهو السجن العسكري الواقع في خليج غوانتنامو، وبالتالي وقف تدفق السجناء المحتجزين هناك لأجل غير مسمى”.
جرى التوقيع على الأمر التنفيذي بإغلاق السجن في اليوم الثاني له في منصبه، كما جرى التوقيع على أمر آخر بإنهاء “أساليب الاستجواب المعزز”، وهي أشكال من التعذيب كالإغراق إلى حد الاختناق، وإماهة المستقيم، والحرمان من النوم. وأضاف: “اتضح بسرعة كبيرة أن وضع تداعيات ممارسات مكافحة الإرهاب السابقة خلفنا، وإنشاء ممارسات جديدة عند الحاجة، سوف يكون عملية بطيئة ومؤلمة، وكان إغلاق معتقل غوانتنامو يعني أننا بحاجة إلى إيجاد وسائل بديلة لإيواء ومعالجة المحتجزين الحاليين، وأي إرهابيين يقبض عليهم في المستقبل”.
حين قدم تقرير استخباراتي منقح صادر عن مجلس الشيوخ في عام 2014 لمحة عن استخدام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لأساليب التعذيب على المشتبه بهم المحتجزين لديها كجزء من برنامجها الاستخباراتي السري، اعترف أوباما بأن الولايات المتحدة “تجاوزت الحدود”، وقال آنذاك: “عندما انخرطنا في بعض أساليب الاستجواب المعزز هذه، وهي تقنيات التي أعتقد أنها، بل أؤمن أن أي شخص منصف في التفكير سيعتقد أنها تعذيب، كنا قد تجاوزنا الحدود”.
وعلى الرغم من هذا الاعتراف، أشار البعض إلى أن أشكالاً أقل حدة من الإساءة والإذلال لم تستبعد بعد.
وفي الوقت نفسه، بحلول نهاية فترة رئاسته في عام 2016، ظل 41 سجيناً في غوانتنامو، وأفرج عن بعضهم.
وألقى أوباما باللائمة في فشله على الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون، لكن جماعات حقوق الإنسان قالت إنه كان بطيئاً في التصرف في فترة ولايته الأولى حين كان المجلس بين أيدي الديمقراطيين.
قالت لورا بيتر من هيومن رايتس ووتش في عام 2017: “إن الفشل في إغلاق معتقل غوانتنامو ملحمي، ليس لأن العديد من الأرواح زهقت بسبب سنوات من الاحتجاز والتعذيب غير القانوني وغير العادل فحسب، بل لأن أوباما منح ترامب القدرة على الاستمرار في استخدامه”، إذ لم يُنقل إلا سجين واحد من معسكر الاحتجاز أثناء ولاية ترامب.