لا قطبة مخفية في أزمة الرغيف
علي عبود
أليس غريباً، بل ومريباً، أن تعجز وزارة التجارة الداخلية عن اجتثاث الطوابير من أمام الأفران؟
لن يصدق أحد أن حل أزمة الرغيف بات من المعضلات المعقدة، أو من المهام المستحيلة!
نحن أمام فرضيتين لا ثالث لهما: إما أن ما تنتجه الأفران أقل من حاجة ملايين الأسر السورية، أو أن الخبز المنتج يساوي أو يزيد قليلاً عن الطلب!
في حالة الفرضية الأولى، من المهم جداً المصارحة والمكاشفة، أي أن تعلن وزارة التجارة بأن مخصصات الأفران من الدقيق المدعوم غير كافية للطلب الشديد على الخبز، وأن البيع يتم خلال المتوفر والمتاح يوماً بيوم من خلال البطاقة الذكية!
هذا ما فعلته وزارة النفط العام الماضي بإعلانها أن توزيع الغاز لن يكون حسب حاجة الأسرة، وإنما حسب توفر المادة!.
وبما أن جميع المسؤولين في وزارة التجارة يؤكدون في إطلالتهم الإعلامية والإعلانية أن الأفران تحصل على حاجتها من الدقيق بما يكفي حاجة الأسر السورية، وتنفي بشدة وجود أي نقص في المادة، فإننا نسأل مع ملايين الأسر السورية: أين هي المشكلة؟!.. هل المشكلة في تهريب مخصصات الأفران من الدقيق، أم في التوزيع؟.
لا نعتقد أن للتهريب علاقة مباشرة بأزمة الرغيف، وبالتالي فالسؤال الأهم: هل منافذ بيع الخبز في الأفران كافية لبيع ما تنتجه للمواطن بالراحة وليس عبر الطوابير الطويلة؟.
ما من دراسة لدى وزارة التجارة تستند إلى الواقع الفعلي لتوزع السكان تكشف عدد الأفران ومنافذ البيع التي تحتاجها التجمعات البشرية في المدن والأرياف!.
وإذا كانت مثل هذه الدراسة موجودة، ونشك بذلك، فهي قديمة لم تتجدد منذ سنوات!.
ولو كانت منافذ التوزيع والبيع (فرضية المخصصات كافية للأفران) تتناسب مع حجم السكان وتوزعهم الجغرافي لما شهدنا أي ازدحام على الأفران!.
ما يلفتنا ويثير استغرابنا أن أجهزة وزارة التجارة منشغلة بمعالجة النتائج والآثار الناجمة عن أزمة الرغيف، كتشديد الرقابة على الأفران، وتطبيق إجراءات غير فعالة لتخفيف أطوال الطوابير، ومكافحة تهريب الدقيق والخبز العلفي، وملاحقة باعة الأرغفة المدعومة قرب الأفران.. إلخ!.
يجب أن تكون الوزارة تعرف جيداً أن الأزمة لا يمكن حلها بمعالجة آثارها ونتائجها، وإنما بأسبابها ومسبباتها!.
ومن الغريب جداً أن يزعم أحد المسؤولين أن بيع أربطة الخبز من قبل النساء والأطفال ظاهرة جديدة يجب منعها وقمعها، ويبدو أنه يعيش في قصر وردي حتى لا يعرف بأن ظاهرة بيع أربطة الخبز، وتحديداً قرب أفران ابن العميد، قديمة جداً جداً، تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، وهي مستمرة بنجاح مثل الأفلام الكلاسيكية تنتقل من جيل إلى آخر دون أي توقف حتى الآن!.
ونكرر، إذا كانت مخصصات الأفران من الدقيق المدعوم كافية لإنتاج ما يكفي أو يزيد قليلاً من الخبز للأسر السورية، فإن وزارة التجارة مقصرة جداً جداً منذ سنوات بحل مشكلة التوزيع، أي إيصال المادة للأسرة بالراحة لا عبر طوابير طويلة!.
والسؤال: لماذا لم تعمل وزارة التجارة على آليات فعالة تجتث الازدحام وتنهي معاناة المواطنين الذين يهدرون عدة ساعات للحصول على ربطة خبز مدعوم؟.
سبق واقترحنا التنسيق مع نقابات العمال لإيصال الخبز لأكثر من خمسة ملايين عامل في القطاعين العام والخاص، وهو مقترح يخفف كثيراً من الطوابير، وبدلاً من المعتمدين الجوالين يمكن لوزارة التجارة اعتماد منافذها المنتشرة جغرافياً، ومعظمها قرب الأفران، حيث تقوم كل أسرة باختيار الصالة القريبة منها للحصول على مخصصاتها عبر البطاقة الذكية!.
كما يمكن اعتماد البقاليات المنتشرة في الأحياء لبيع الخبز المدعوم، ونشير إلى حل قديم جداً وهو زرع أكشاك لبيع الخبز في الأحياء والشوارع وبخاصة في مراكز انطلاق الباصات والسرافيس.
بالمختصر المفيد: لا توجد قطبة واحدة مخفية في أزمة الرغيف، المشكلة كانت ولاتزال بغياب الإرادة الفعلية لدى وزارة التجارة حالياً، والتموين سابقاً، بمعالجة أسباب الأزمة لأنها مصرة على معالجة النتائج والآثار، فهل هو تقصير أم استهتار؟.
مهما كان السبب فمن المعيب جداً ألا يتمكن المواطن من الحصول على ربطة خبز إلا باجتياز الطوابير التي يكبر طولها يوماً بعد يوم؟!.