هل يصحح بايدن أخطاء ترامب؟
ريا خوري
حظيت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية باهتمام عالمي كبير باعتبارها قطباً وازناً على المستوى العالمي، لأن الشعارات والبرامج التي يعتمدها المرشّحون غالباً ما توازن بين أولويات داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وهو ما يضفي على طابع الانتخابات من الإثارة والتشويق ما يجعلها تحظى بمواكبة ومتابعة إعلامية دولية واسعة جداً.
خلال أربع سنوات ماضية، حظي الجمهوري دونالد ترامب بسجالات ونقاشات سياسية وأكاديمية مختلفة بسبب طبيعة الشعارات التي رفعها، والسياسات التي نفذها على مختلف الأصعدة، فعلى مستوى الداخل الأمريكي، عمل على تغيير قانون الرعاية الصحية (أوباماكير)، أما جائحة كوفيد 19 (كورونا) التي شكّلت داخل الولايات المتحدة الأمريكية صورة خطيرة جداً، وهي أزمة حقيقية وكبيرة، فلم يستفد منها ترامب، ما دفع خصومه إلى اتهامه باللامبالاة والاستهتار بأرواح المواطنين الأمريكان، والتراخي في التعاطي مع الأمر بجدية ومسؤولية، خاصة بعدما خلّف الوباء حصيلة كبيرة جداً في الأرواح، وإصابة نحو عشرة ملايين وأربعمئة ألف مصاب، إضافة إلى حجم الخسائر الفادحة التي مني بها الاقتصاد الأمريكي، كما تعرّضت شعبية ترامب للاهتزاز إثر احتجاجات واسعة عمت العديد من الولايات بعد مقتل المواطن جورج فلويد، وظهور مجموعة من الانحرافات في تعامل السلطات مع الاحتجاجات، وصدور عدد من التصريحات التي لا تخلو من نبرة عنصرية مفرطة.
أما على مستوى خارج الولايات المتحدة، وانسجاماً مع الشعار الذي رفعه ترامب عالياً وهو (أمريكا أولاً)، فقد أصدر مجموعة واسعة من القرارات القاسية جداً، وهي: الانسحاب من العديد من المنظمات الدولية مثل اليونسكو على سبيل المثال لا الحصر بذرائع واهية أهمها انحيازها للكيان الصهيوني، ومن بعض الاتفاقيات الهامة كاتفاقية باريس للمناخ، واتفاقية التجارة العابرة للقارات والمحيط الهادئ، إضافة إلى الاعتراف بمدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إليها، ومن بعدها تعمد قطع المساعدات عن هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، واعتماد تدابير صارمة جداً بخصوص استقبال اللاجئين، ومنع دخول رعايا عدد من دول العالم إلى الولايات المتحدة، والأهم أن إدارة ترامب غيّرت من سياساتها تجاه حلفائها التقليديين، وسبقت تلك السياسات التوجيهات المتتالية نحو ترشيد نفقاتها داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتكرار الدعوة لأعضاء الناتو بتحمّل المزيد من النفقات في هذا الشأن، بل بدا واضحاً أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تعاكس بشكل واضح سياسة عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فيما يتعلق بشأن الملف النووي الإيراني.
من هنا شكّلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة محطة لتقييم أداء الرئيس ترامب من قبل الناخب الأمريكي، فيما استطاع مرشّح الحزب الديمقراطي جو بايدن أن يستغل لصالحه مجموعة واسعة من الأخطاء التي ارتكبها خصمه بكل اتزان وهدوء، وجعل من الاختلالات التي خلّفها تدبير جائحة كوفيد 19 (كورونا) منطلقاً لتوجيه الاتهامات إلى ترامب.
ومع مجيء بايدن تجدد طرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستستفيد بالفعل من الأخطاء التي ارتكبت في الماضي لجهة إعادة النظر في العديد من الملفات والقضايا الداخلية الحيوية والهامة كالاقتصاد والصحة، وإيجاد التدابير اللازمة لحل أزمة كوفيد 19 (كورونا)، وتجاوز بعض مظاهر الانحراف في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية، وعلى المستوى الدولي، لا يخفي الكثيرون تفاؤلهم من الرئيس الجديد الذي يرسل عدداً كبيراً من الإشارات الإيجابية إلى المجتمع الدولي، بخاصة على مستوى المشاركة في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.