“البريكس” تتوحد ضد النيوليبرالية
هيفاء علي
اتفق قادة أكبر خمسة اقتصادات ناشئة في العالم يوم الثلاثاء 17 تشرين الثاني، على معالجة مجموعة واسعة من القضايا بشكل مشترك، من الصحة العامة والأمن إلى الانتعاش الاقتصادي، حيث قاموا بوضع اللمسات الأخيرة على العديد من المبادرات الرئيسية خلال قمة افتراضية، ورفضوا بوضوح تزايد الأحادية والحمائية الاقتصادية، وأرسلوا إشارة مفادها أن القوى الناشئة تعزز علاقاتها على الرغم من تصاعد الخلافات والمخاطر.
ففي أعقاب توقيع أكبر اتفاقية تجارة حرة عالمية من قبل اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ وقبل العديد من مؤتمرات القمة العالمية الرئيسية، أعطت القمة الافتراضية لمجموعة “بريكس”، التي تضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، زخماً جديداً للتعددية في مواجهة المد المتصاعد للأحادية، حيث دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، في خطابه عبر القمة الافتراضية، إلى بذل المزيد من الجهود لدعم النظام العالمي المتعدد الأطراف، وحماية العولمة الاقتصادية، ورفض استخدام الأمن القومي كذريعة لمواصلة الحمائية، محذراً من أن الحصار الاقتصادي لن يضر فقط بالمصالح المشتركة لجميع البلدان، كما انتقد مسؤولون وخبراء صينيون الولايات المتحدة بسبب التخويف الاقتصادي والحمائية.
التعاون في المنازعات
في القمة الافتراضية، التي استضافها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، دعا القادة إلى تعزيز التعاون بين بلدان “بريكس” في مجموعة من المجالات، بما في ذلك الجهود المشتركة للتصدي لـ “وباء” كورونا ، وتسريع البحث وتطوير وإنتاج كميات كبيرة من اللقاحات وتنسيق السياسات بشكل أفضل لتعزيز الانتعاش الاقتصادي من “الوباء” العالمي، واعتماد إستراتيجية الشراكة الاقتصادية لمجموعة “بريكس” حتى عام 2025، والتي تحدد الأولويات متوسطة المدى لتطوير تفاعل “بريكس” في التجارة والاستثمار والتمويل ومساعدة المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، والمؤسسات المتوسطة الحجم، والاقتصاد الرقمي والابتكار، والتنمية المستدامة من بين العناصر الرئيسية للقمة الافتراضية.
وفي مجال الأمن، أيد القادة أيضاً إستراتيجية “بريكس” لمكافحة الإرهاب، والتي تدعو إلى التعاون بين الدول الأعضاء لاتخاذ إجراءات مشتركة لمنع النشاط الإرهابي. وفي مجال الصحة العامة إضافة إلى إنشاء نظام إنذار مبكر للأمراض المعدية، دعوا إلى اتخاذ تدابير أخرى لمواجهة الوباء الشرس.
لقد جاء اجتماع “بريكس”، الذي يمثل حوالي 42٪ من السكان و 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في وقت حرج من التحديات العميقة التي يفرضها الوباء داخل الاتحاد والعالم. فبينما نجحت الصين في كبح جماح “وباء” COVID-19 بشكل فعال، لا يزال الأعضاء الآخرون في الاتحاد يواجهون تفشياً حاداً للفيروس، حيث تشهد الهند والبرازيل أعلى أعداد الحالات في العالم. أما من الناحية الاقتصادية، تعد الصين العضو الوحيد في مجموعة “بريكس” الذي سجل نمواً إيجابياً في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بتوسع قدره 1.9٪ ، مقارنة بانكماش يقدر بنسبة 10.3٪ للهند و 8٪ لجنوب إفريقيا، وفقاً لصندوق النقد الدولي. ومن الناحية الجيوسياسية، ألقت وسائل الإعلام الأجنبية بظلالها أيضاً على التوترات الحدودية بين الصين والهند كظل للتعاون.
وفي كلمته أمام قمة “بريكس” للعام السابع على التوالي، حث الرئيس الصيني دول بريكس على التغلب على الانقسام بالوحدة واستبدال التحيز بالعقل والقضاء على “الفيروس السياسي”، كما حذر من استخدام “الوباء” لمتابعة “نزع العولمة” أو الدعوة إلى “الفصل الاقتصادي” و “الأنظمة الموازية” التي ستؤدي في النهاية إلى الإضرار بمصالحهم والمصالح المشتركة للجميع، كما دعا إلى بذل الجهود لدعم النظام العالمي متعدد الأطراف ورفض إساءة استخدام مفهوم “الأمن القومي” لأغراض الحماية.
هذا الصوت الواضح الداعم للنظام العالمي متعدد الأطراف ورفض الأحادية من قمة بريكس الافتراضية كرر لهجة قوية مماثلة قبل فترة قصيرة، عندما كانت الصين و 14 دولة أخرى في آسيا والمحيط الهادئ رسمياً قد وقعت على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، التي تعتبر أكبر كتلة تجارية في العالم حتى الآن.
ومن المتوقع أيضاً أن تتكرر هذه المشاعر من خلال سلسلة من الفرص المقبلة في ما وصف بأنه أكثر فترات الدبلوماسية الصينية ازدحاماً في الأحداث العالمية الأخيرة والقادمة والتي من المتوقع أن تبث الزخم المطلوب بشدة للتعددية.