الأم كما ننتمناها!!
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
ما بين الأمس واليوم، يمتد تاريخ طويل خطته الدراما السورية في سفر الفن، بدأ منذ ستينيات القرن الماضي. ومن يبحث في تاريخ هذه الدراما، منذ بدء تأسيسها حتى الآن، يكتشف أن روادها الأوائل قدموا الكثير من التضحيات حتى أوصلوها إلى هذه المكانة الراقية، حيث حوربوا كثيراً، ومع ذلك لم يستسلموا وتابعوا مشوارهم حتى حقّقوا رسالتهم النبيلة التي نذروا أنفسهم من أجلها. وهؤلاء – باعتقادنا – هم رهاننا الحقيقي، بل يمثلون حتى الآن الرافعة الفنية والفكرية للدراما ماضياً وحاضراً، فمن خلال مشاركاتهم التي لا تزال حاضرة تجذب الكثير من المشاهدين لمتابعة عمل ما لمجرد مشاركة أحدهم فيه. ولا يختلف اثنان على الرسالة التي قامت عليها الدراما السورية منذ انطلاقتها، حيث قدّم القائمون على صناعتها آنذاك أعمالاً درامية جدية وجريئة من حيث المضمون والمعالجة، بسبب امتلاكهم لمشروعهم التنويري والفني والإبداعي. ومن يتوقف عند بعض هؤلاء الفنانين، فإن أسماء كثيرة تحضر في البال لا يتّسع المجال لذكرها الآن، حتى أن بعضهم ما زال يعطي لهذا الفن خلاصة روحه، والبعض الآخر رحل إلى رحمة الله، لكن بصمتهم حاضرة وباقية في ذاكرة الفن.
أما صورة الأم في الدراما فتتفاوت الآراء حولها، فهناك من يرى أنها قُدّمت بصورة تراجيدية بسيطة تعكس الواقع الاجتماعي والإنساني للأم، ومن بعدها أصبحت تقدّمها كشخصية معقّدة على نحو درامي دقيق وبأنماط مختلفة. وهناك أيضاً من يستهجن النمطية التي تقدّمها الدراما السورية للأم، بعكس المسرح الذي كان أكثر جرأة في اختراق “التابو” التقليدي لصورتها، حيث قدّمها بحالتها الواقعية ولم ينكر عليها حريتها الإنسانية التي من حقها أن تعيشها، بعيداً عن صورة الأم التي عرفناها مثالاً للتضحية والبؤس؛ وربما هذا ما كرّسه المشاهد السوري لدى صنّاع الدراما، حيث يشتهي الكل أن يجد في الدراما صورة للأم لا تختلف عن صورة والدته بما تحمله من قيم ومثل ونُبل. وهنا يكون صنّاع الدراما قد وقعوا في مطب عدم دراسة رأي وانطباع الجمهور الذي يتوجّهون إليه، والوقوف على التطورات المجتمعية التي لا تستثني المشاهد من تأثيرها. ومع أن الأم – كما عرفناها من خلال الدراما منذ بداياتها حتى الآن – لم تتعاطَ السياسة، إلا أن مواقف البطولة، وقيم التضحية التي كانت تربي أبناءها عليها، لم تكن تخرج بإطارها العام عن معطيات السياسة كممارسة عفوية وبسيطة من قبلها.
بالمقابل، هناك من يرى أن الرؤية الدرامية للأم تناغمت مع تطورات المجتمع، وقدّمت المرأة بحالات مختلفة، إذ حرّرها بعض الكتّاب والمخرجين من النمطية التي حصرها البعض الآخر بها، فرأينا أنموذجاً للأم التي تفكر بنفسها وتعيش لذاتها بعيداً عمّا اعتدنا عليه، كما أصبحنا نرى الأم في الدراما تتبوأ مكانة تعكس الواقع الحقيقي للمرأة في المجتمع. وبالتالي فإن الدراما – من وجهة النظر هذه – تكون قد أنصفت صورة الأم. غير أننا إذا توقفنا عند الفنانات اللواتي جسّدن دور الأم، سنجد أن هناك أسماء كثيرة لفنانات كبيرات تحوّلن إلى رموز في تاريخ الدراما السورية، بعكس فنانات أخريات جسّدن دور الأم في مرحلة مبكرة من حياتهن الفنية والعمرية، ومنهن من تأخذ على كتّاب الدراما عدم اهتمامهم بشخصية الأم وتقديمها بسطحية ولا فاعلية، ما يضطر الفنانة التي تقبل بتجسيد دور الأم للارتقاء بهذه الشخصية باشتغالها عليها والاجتهاد فيها. وكما ترفض بعض الفنانات دور الأم لاقتصاره على نمطية معيّنة، إلا أن الكثير من الفنانات يرفضن تقديم الأم بغير صورتها القوية والفاعلة، حيث تخرجها من إطارها السلبي الذي وضعوها فيه وتجعل الشخصية أكثر قرباً والتصاقاً بالواقع. ومن جهة أخرى أيضاً، هناك فنانات قبلن بشخصية الأم من منطلق اختبارهن لأدواتهن وتقنياتهن. وبالنتيجة، وضمن كل هذه الآراء، سواء اتفقنا معها كلّها، أم مع جزء منها، نقول: إن صورة المرأة في الدراما تحتاج لمراجعة ورؤية مغايرة للصورة التي نشاهدها عبر الشاشة، مؤكدين ضرورة تقديمها كما هي بصورتها الواقعية، لا كما نريدها، أو نقترحها نحن.