.. والحياة ستسمر!!
نجحت الليرة السورية إلى حد ما في البقاء على منصة النجاة المالية رغم ما تعرّضت له من انتكاسات في مسلسل إضعافها وزعزعة استقرارها، وهذه النتيجة ليست من صنع خيالنا، أو محاولة منا للالتفاف على واقع الناس، بل حقيقة تثبتها وقائع الأيام، وتجارب الحروب وآثارها المدمرة على الواقع الاقتصادي لأي بلد تجتاحه جائحة الحروب والإرهاب.
وبالرغم من تسارع موجات ارتفاع سعر الصرف ووصوله إلى أرقام قياسية مقابل دخل المواطن المنهك أو المغيب قسراً في زحمة الأزمات، إلا أن الناس يستمرون في ممارسة حياتهم الطبيعية، وتجاوز الصعوبات، والتأقلم مع الظروف الجديدة التي نالت من لقمة عيشهم، فتعالى أنين ليراتهم القليلة على ضجيج الصرف الذي ترافق مع حالة من الفوضى والعبثية في جميع الأسواق بعد أن تحول الكثير من الناس الذين يشكون من الفساد إلى فاسدين من الدرجة الأولى، ومتلاعبين أو مساهمين في لعبة إضعاف الليرة التي باتت للأسف ميداناً للمتاجرة، وهنا يجب التركيز على أن مسؤولية ما يحدث على الساحة الاقتصادية المالية لا تقع على عاتق الجهات المختصة فقط، بل يقاسمها المواطن بكل تصنيفاته الاجتماعية والمهنية مسؤولية الحفاظ على قيمة الليرة وإيقاف مخطط ضربها.
ورغم انغماس الجميع في حالة الهموم، أو بالأحرى اللاوعي الحياتي، حيث تكثر الصدمات التي تتطلب من أي شخص محاولة إيقاظ نفسه على مدار الساعة، إلا أن ما نعيشه في مختلف الميادين يستدعي من الجميع المشاركة الفاعلة في رفع الغطاء عن كل المتاجرين بلقمة العيش، وعن كل المضاربين في سوق الليرة، والمساعدة في تقديمهم للعدالة، وهنا يجب التأكيد على أن أية جهة لن تكون قادرة على ضبط جموح الدولار، وإخماد فورة الأسعار إلا عندما يلتزم التجار بالأسعار، ويقبلون بالأرباح القليلة، بحيث يبتعدون عن استغلال واستثمار لعبة الصرف وتجييرها لخدمة مصالحهم، وعندما تلتزم اللجان والجهات الرقابية بواجباتها ومسؤولياتها وأدبيات عملها، وتتخلى عن مبادلة آمال المواطن بالمكاسب الخاصة تحت عنوان الرشوة وبيع الضمير، وقبل ذلك كله عندما تكون المصلحة الوطنية قبلة لأحلام الناس وأفكارهم التي يجب أن تدعّم في هذه المرحلة الحرجة بالأخلاق والعمل الوطني الحقيقي والمسؤول لنصل في النهاية إلى ضفة الأمان، وخاصة مع اشتداد الحصار، وامتداد تداعيات ما يحدث في دول الجوار إلى لقمة عيشنا، وانقطاع ما يسمونه “الحبل السري” الذي كان طريق الإمداد المالي والتجاري الوحيد لبلدنا، ومع الإقرار بصعوبة ما هو قادم من موجات غلاء، إلا أن الثقة موجودة ببقاء أسعار المحروقات “غاز- مازوت- بنزين” بعيدة عن قرارات رفع أسعارها – كما يشاع – لما لها من انعكاسات خطيرة على الواقع المعيشي، فهل تتم الاستجابة لهذا النداء المعيشي الأخير، أم تستمر كرة الأسعار في التهام وابتلاع فرص البقاء والصمود الحياتي؟!
بشير فرزان